قوله: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً} مما تظنون بنا {وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} . وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر له مشارك كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [1]. قاله العماد ابن كثير في تفسيره، وهو ظاهر.
قوله: "وقول الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} ". والمراد أنهم فعلوا مع الفتية بعد موتهم ما يذم فاعله؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " [2] أراد تحذير أمته أن يفعلوا كفعلهم.
قوله: "عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " [3] أخرجاه". وهذا سياق مسلم.
قوله: "سنن" بفتح المهملة أي طريق من كان قبلكم. قال المهلب: الفتح أولى.
قوله: "حذو القذة بالقذة" بنصب "حذو" على المصدر. والقذة بضم القاف واحدة القذذ وهو ريش السهم. أي لتتبعن طريقهم في كل ما فعلوه، وتشبهوهم قي ذلك كما تشبه قذة السهم القذة الأخرى. وبهذا تظهر مناسبة الآيات للترجمة. وقد وقع كما أخبر، وهو عَلَم من أعلام النبوة.
قوله: " " حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ". وفي حديث آخر: " حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك " [4]. أراد صلي الله عليه وسلم أن أمته لا تدع شيئا مما كان يفعله اليهود والنصارى إلا فعلته كله لا تترك منه شيئا. ولهذا قال سفيان بن عيينة: " من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبادنا ففيه شبه من النصارى ". اهـ.
قلت: فما أكثر الفريقين، لكن من رحمة الله تعالى ونعمته أن جعل هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة كما في حديث ثوبان الآتي قريبا. [1] سورة الفرقان آية: 24. [2] تقدم تخريجه برقم [166] . [3] 205- ضعيف. هو جزء من حديث أخرجه الترمذي: كتاب الإيمان (2641) باب ما جاء في افتراق هذه الأمة. وقال الترمذي: حديث غريب. والحاكم (1/128,129) . وضعفه المناوي في فيض القدير (5/347) . [4] الترمذي: الإيمان (2641) .