ودعا الناس إلى طلب قتلة الحسين، فتتبعهم فقتل كثيرا ممن باشر ذلك، وأعان عليه. فأحبه الناس، ثم ادعى النبوة وزعم أن جبريل -عليه السلام- يأتيه. ومنهم الحارث الكذاب، خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل. وخرج في خلافة بني العباس جماعة.
وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا؛ فإنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم تنشأ دعوته عن جنون أو سوداء. وإنما المراد من قامت له شوكة وبدا له شبهة كمن وصفنا. وقد أهلك الله تعالى من وقع له منهم ذلك وبقي منهم من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجال الأكبر.
قوله: " " وأنا خاتم النبيين ". قال الحسن: الخاتم: الذي ختم به يعني أنه آخر النبيين؛ كما قال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [1]. وإنما ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان حاكما بشريعة ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، تبارك وتعالى "[2].
محمد صلي الله عليه وسلم مصليا إلى قبلته. فهو كأحد أمته، بل هو أفضل هذه الأمة. قال النبي صلي الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية "[3].
قوله: " ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " قال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ ".
قال ابن المبارك وعلي بن المديني، وأحمد بن سنان والبخاري وغيرهم: "إنهم أهل الحديث". وعن ابن المديني رواية: "هم العرب". واستدل برواية من روى هم أهل الغرب، وفسر الغرب بالدلو العظيمة؛ لأن العرب هم الذين يستقون بها.
قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض دون بعض منه. ويجوز إخلاء الأرض من بعضهم أولا فأولاً إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله. اهـ ملخصا مع زيادة فيه. قاله الحافظ. [1] سورة الأحزاب آية: 40. [2] البخاري: العلم (71) , ومسلم: الإمارة (1037) , و (1920) ، وأحمد (4/93) ، و (5/279) ، والترمذي: الفتن (2229) . [3] البخاري: كتاب البيوع (2222) : باب قتل الخنزير. ومسلم: كتاب الإيمان (155) (242) : باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.