وقال غيره: "لا عدوى" هو اسم من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفي نفس سراية العلة أو إضافتها إلى العلة. والأول هو الظاهر.
وفي رواية لمسلم: أن أبا هريرة كان يحدث بحديث لا عدوى، ويحدث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " لا يُورد مُمرِض على مُصِح " [1]. ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث: " لا يورد ممرض على مصح ". وأمسك عن حديث: " لا عدوى "، فراجعوه وقالوا: سمعناك تحدث به، فأبى أن يعترف به. قال أبو مسلمة- الراوي عن أبي هريرة-: فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟
وقد روى حديث: " لا عدوى " جماعة من الصحابة: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله; والسائب بن يزيد، وابن عمر وغيرهم، وفي بعض روايات هذا الحديث: " وفِرّ من المجذوم كما تفر من الأسد " [2].
وقد اختلف العلماء في ذلك. وأحسن ما قيل فيه: قول البيهقي، وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم: أن قوله: " لا عدوى " على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وإن هذه الأمور تعدي بطبعها. وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك، ولهذا قال: " فر من المجذوم كما تفر من الأسد ". وقال: " لا يورد ممرض على مصح ". وقال في الطاعون: " من سمع به في أرض فلا يقدم عليه " [3]. وكل ذلك بتقدير الله تعالى. ولأحمد والترمذي عن ابن مسعود مرفوعا: " لا يعدي شيء قالها ثلاثا، فقال أعرابي: يا رسول الله إن النُّقْبَة4 من الجَرَب تكون بمِشْفَر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة
فتجرب كلها؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " فمن أجرب الأول؟ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها " [5]. فأخبر صلي الله عليه وسلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية. فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء وفي النار، مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتنب مقاربة المريض كالمجذوم، والقدوم على بلد الطاعون؛ فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، [1] مسلم: السلام (2221) , وأحمد (2/434) . [2] أخرجه البخاري تعليقا: كتاب الطب (10/158) : باب الجذام وقد وصله أبو نعيم في المستخرج بسند صحيح وراجع الفتح (10/158) ، النسائي: الخيل (3578) , وأبو داود: الجهاد (2513) , وأحمد (4/148) , والدارمي: الجهاد (2405) . [3] صحيح. أحمد (1/440) , والترمذي: كتاب القدر (2143) : باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر. وإسناده صحيح كما قال الألباني في الصحيحة (3/143) . [1] النقبة -بضم النون وسكون القاف والباء الموحدة- أول شيء يظهر من الجرب، وجمعها: نقب؛ لأنها تنقب الجلد أي تخرقه. [5] الترمذي: الحدود (1448) , والنسائي: قطع السارق (4971 ,4972 ,4975) , وأبو داود: الحدود (4391) , وابن ماجه: الحدود (2591) , وأحمد (3/380) , والدارمي: الحدود (2310) .