وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [1]. وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه بذنب إذا لم يتب كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [2] وقد سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه النبي صلي الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله، أينا لم يعمل سوءا؟ فقال: يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به " [3] فبين أن المؤمن الذي إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته في الدنيا بالمصائب. فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء المطلق، بمعنى أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في الآية الأخرى. وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه، وليس مراد النبي صلي الله عليه وسلم بقوله: " إنما هو الشرك " أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف; لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام اللذين يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم; من غير عذاب يحصل لهم. بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط، ومعهم أصل نعمة الله عليهم ولا بد لهم من دخول الجنة. وقوله: " إنما هو الشرك " إن أراد الأكبر، فمقصوده أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا والآخرة، وإن كان مراده جنس الشرك، يقال: ظلم العبد نفسه، كبخله لحب المال ببعض الواجب هو شرك أصغر. وحبه ما يبغضه الله تعالى حتى يقدم هواه على محبة الله الشرك أصغر ونحو ذلك. فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الشرك بهذا الاعتبار انتهى ملخصا[4].
وقال ابن القيم -رحمه الله-: قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [5]. قال الصحابة: "وأينا يا رسول الله لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال: ذلك الشرك. ألم تسمعوا قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 6 " لما أشكل عليهم المراد بالظلم فظنوا [1] سورة فاطر آية: 32. [2] سورة الزلزلة آية: 7-8. [3] صحيح: أحمد (1/11) ، وابن حبان (1734, 1735 - موارد) ، والحاكم (4/73) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الأرناؤوط في تخريجه لمسند أبي بكر الصديق لأبي بكر المروزي (111) لشواهده وطرقه. [4] من كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه. [5] سورة الأنعام آية: 82.
6 سورة لقمان آية: 13.