قال علي رضي الله عنه: " إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد - ثم رفع صوته- فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ". واشتقاقه: من صبر إذا حبس ومنع. والصبر: حبس النفس عن الجزع، وحبست اللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما. ذكره ابن القيم -رحمه الله-. واعلم أن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على ما أمر الله به، وصبر عما نهى عنه، وصبر على ما قدره من المصائب.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [1]. قال علقمة: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم".
قوله: "وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ".
وأول الآية: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [2] أي بمشيئته وإرادته وحكمته، كما قال في الآية الأخرى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [3] وقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [4]. قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} . قال ابن عباس في قوله: {إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} "إلا بأمر الله" يعني عن قدره ومشيئته. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} أي من صابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا. وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه.
قوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [5] تنبيه على أن ذلك إنما يصدر عن علمه المتضمن لحكمته، وذلك يوجب الصبر والرضا.
قوله: "قال علقمة: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ".
هذا الأثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وعلقمة: هو ابن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم -رضي الله [1] سورة التغابن آية: 11. [2] سورة التغابن آية: 11. [3] سورة الحديد آية: 22. [4] سورة البقرة آية: 156-157. [5] سورة البقرة آية: 282.