يُنْكِرُونَهَا} . قال: "محمد صلى الله عليه وسلم". وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله، وأن الله هو المنعم عليهم بذلك، ولكنهم ينكرون ذلك، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم.
وأخرج عن مجاهد: " "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها". قال: هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب، تعرف هذا كفار قريش ثم تنكره، بأن تقول: هذا كان لآبائنا فورثونا إياه". وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم: من رزقكم؟ أقروا بأن الله هو الذي يرزقهم ثم ينكرونه بقولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا.
وذكر المصنف مثل هذا عن ابن قتيبة، وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قاضي مصر[1] النحوي اللغوي، صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة، اشتغل ببغداد وسمع الحديث على إسحاق بن راهويه وطبقته. توفي سنة ست وسبعين ومائتين.
وقال أبو العباس -بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله تعالى قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " الحديث. وقد تقدم-: " وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به.
قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير".
وقال آخرون: ما ذكره المصنف "عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي" أبو عبد الله الكوفي الزاهد عن أبيه وعائشة وابن عباس، وعنه قتادة وأبو الزبير والزهري، وثقه أحمد وابن معين. قال البخاري: مات بعد العشرين ومائة {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [2] قال: "إنكارهم إياها أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا". واختار ابن جرير القول الأول، واختار غيره أن الآية تعم ما ذكره العلماء في معناها. وهو الصواب والله أعلم.
قوله: "قال مجاهد" هو شيخ التفسير: الإمام الرباني، مجاهد بن جبر المكي مولى بني مخزوم. قال الفضل بن ميمون: سمعت مجاهدا يقول: عرضت المصحف على ابن عباس مرات; أقفه عند كل آية وأسأله فيم نزلت؟ وكيف نزلت؟ وكيف معناها؟ توفي سنة اثنتين ومائة. وله ثلاث وثمانون سنة -رحمه الله-. [1] لعله قاضي الدينور; فإنه لم يتول القضاء إلا فيها. [2] سورة النحل آية: 83.