الحياء منهم"[1] وبعد هذا الحديث الذي حدثه به الطفيل عن رؤياه خطبهم صلى الله عليه وسلم فنهى عن ذلك نهيا بليغا، فما زال صلى الله عليه وسلم يبلغهم حتى أكمل الله له الدين وأتم له به النعمة، وبلّغ البلاغ المبين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها. فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده "[2].
فيه مسائل:
الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر.
الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله ندا " فكيف بمن قال: "ما لي من ألوذ به سواك" والبيتين بعده.
الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر لقوله: "يمنعني كذا وكذا".
الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي.
السادسة: أنها قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام.
وفيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " [3][4].
قلت: وإن كانت رؤيا منام فهي وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرا ونهيا. والله أعلم. [1] لعل الذي كان يمنعه -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن الله أوحى إليه فيها شيئا. فلما أوحى إليه بلغه. أما الحياء في تبليغ الأوامر والنواهي (*) فهذا ما لا يليق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم. (*) قوله: (أما الحياء في تبليغ الأوامر والنواهي) إلخ. أقول: هذا كلام جيد, والجواب عن الرواية التي ذكرها الشارح وهي قوله: (ورد في بعض الطرق أنه كان يمنعه الحياء منهم) أن يقال: إن صحت هذه الرواية فمعنى ذلك أنه كان -عليه الصلاة والسلام- يستحي منهم أن ينهاهم عن شيء لم يوح إليه أن ينهى عنه, وإن كان هو يستحسن تركه, فلما جاءه الوحي بالنهي عنه بسبب الرؤيا المذكورة نهاهم عن ذلك, كما أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالتماس ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان لما تواطئت رؤياهم على أنها في السبع الأواخر، وكان ذلك سببا لشرعية مزيد الاجتهاد في السبع المذكورة. [2] صحيح: ابن ماجة: كتاب الكفارات (2118) : باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت. وصححه الألباني في الصحيحة لشواهده (138) . [3] البخاري; كتاب التعبير (6987) : باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. ومسلم: كتاب الرؤيا (2264) (7) . من حديث عبادة بن الصامت. [4] هذا الحديث إنما يخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- عما كان يرى قبل النبوة وهو يتحنث في غار حراء من الرؤيا التي كانت تجيء مثل فلق الصبح. وذلك في الدور الذي كان يهيئه الله فيه لتلقي الوحي، وكان ذلك الدور ستة أشهر، وهي بالنسبة إلى مدة النبوة الثلاثة والعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا منها. والله أعلم. قوله: (هذا الحديث إنما يخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- عما كان يرى قبل النبوة) إلخ. يريد الشيخ حامد -رحمه الله- بهذا الكلام أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرؤيا الصالحة: أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة, أنه خبر عما قد وقع ومضى, وليس الأمر كذلك بل الروايات الواردة في هذا الباب تدل على أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الخبر عن جنس الرؤيا في الماضي والمستقبل، وأنها تفيد وتحصل بها البشرى، وأن فائدتها جزء من أجزاء النبوة المتضمنة الأخبار عن المغيبات, ولهذا اختلفت ألفاظ الروايات في ذلك، ففي بعضها: جزء من خمسة وأربعين جزءا, وفي بعضها: جزء من ستة وأربعين جزءا، وفي بعضها: جزء من سبعين جزءا من النبوة, وفي بعضها غير ذلك. ولو كان المراد ما قاله الشيخ حامد لم تتنوع العبارات عنها, ووجه التنوع -والله أعلم- أن الرؤيا الصالحة في حد ذاتها تختلف بحسب صلاح الرائي وما يكتنف رؤياه من القرائن والشواهد الدالة على صدق الرؤيا, وقد نص العلماء على ما ذكرناه قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم ما نصه: (قال القاضي: أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمرء الصالح تكون رؤياه جزء من ستة وأربعين جزءا، والفاسق جزء من سبعين جزءا, وقيل: المراد أن الخفي منها جزء من سبعين، والجلي جزء من ستة وأربعين) . ثم نقل عن الخطابي عن بعض أهل العلم نحو ما قاله الشيخ حامد, ثم نقل عن المازري ما نصه: (وقيل: المراد أن للمنامات شبها مما حصل له وميز به من النبوة بجزء من ستة وأربعين) . انتهى. والله أعلم. باب: " من سَبَّ الدهر فقد آذى الله"
وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} [1].
قوله: "باب من سب الدهر فقد آذى الله". [1] سورة الجاثية آية: 24.