قوله: "في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ". بخلاف العبد؛ فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره. فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسئول; مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين؛ فإنه –تعالى- لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام.
وفي الحديث: " يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه; وفي يده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه " [1][2]. يعطي تعالى لحكمة ويمنع لحكمة وهو الحكيم الخبير. فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئا عن كراهة ولا عن عظم مسألة. وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه:
ويعظم في عين الصغير صغارها ... ويصغر في عين العظيم العظائم
وهذا بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدنيا، وإلا فإن العبد يعطي تارة ويمنع أكثر، ويعطي كرها، والبخل عليه أغلب. وبالنسبة إلى حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم، وأما ما يعطيه الله تعالى عباده فهو دائم مستمر، يجود بالنوال قبل السؤال من حين وضعت النطفة [1] البخاري: التوحيد (7419) , ومسلم: الزكاة (993) , والترمذي: تفسير القرآن (3045) , وابن ماجه: المقدمة (197) , وأحمد (2/313 ,2/500) . [2] رواه البخاري في عدة مواضع من الجامع، ومسلم عن أبي هريرة وفيه زيادة: "وكان عرشه على الماء" بعد "خلق السماوات والأرض". وفي تفسير سورة هود من البخاري أول الحديث: "أنفق أنفق عليك, وقال: "يد الله ملأى ... الحديث" قال الحافظ في الفتح: " وترد رواية: "يمين الله" على من فسر اليد هنا بالنعمة, وأبعد منه من فسرها بالخزائن ". اهـ. ومعنى: "يغيضها" ينقصها, يقال: غاض الماء إذا نقص. ومعنى: "سحاء" أي دائمة الصب والعطاء الكبير.