في أسفل سافلين، وينعم من استنفد عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن عنده سواء، ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر، فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به وإنما رمز إليه رموزا بعيدة، وأشار إليه إشارات ملغزة ولم يصرح به، وصرح دائما بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي[1] أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفونه من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل فلم يفعل; بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان، فقد ظن به ظن السوء؛ فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه فقد ظن بقدرته العجز، وإن قال: إنه قادر ولم يبين، وعدَل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم، بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد، فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء. [1] يقال: كلمة محجية: مخالفة المعنى للفظ. وهي إما من معنى الناحية, وتقديرها أنها جاءت من غير حجاها, أو من معنى الفطنة وهي الأحجية والأحجوة. قال صاحب المثل السائر: وأما اللغز والأحجية فإنهما شيء واحد, وهو كل معنى يستخرج بالحدس والحزر لا بدلالة اللفظ عليه حقيقة ولا مجازا. ولا يفهم منه غرضه. انتهى من هامش الأصل نقلا عن سر الليال.