فيه مسائل:
الأولى: بيان فرض الإيمان بالقدر.
الثانية: بيان كيفية الإيمان.
الثالثة: إحباط عمل من لم يؤمن به.
الرابعة: الإخبار أن أحدا لا يجد طعم الإيمان حتى يؤمن به.
الخامسة: ذكر أول ما خلق الله.
السادسة: أنه جرى بالمقادير في تلك الساعة إلى قيام الساعة.
السابعة: براءته صلى الله عليه وسلم ممن لم يؤمن به.
تعالى فضلوا عن سواء السبيل. وقد قال بعض السلف: " ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا".
قوله: "وفي المسند وسنن أبي داود عن ابن الديلمي" وهو أبو بسر - بالسين المهملة، وبالباء المضمومة-. ويقال: أبو بشر- بالشين المعجمة وكسر الباء- وبعضهم صحح الأول. واسمه: عبد الله بن فيروز. ولفظ أبي داود: قال: " لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار " [1]. قال: فأتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، قال ثم أتيت زيد بن ثابت، قال: فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك[2]. وأخرجه ابن ماجه.
وقال العماد ابن كثير -رحمه الله-: عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره " [3]. وكذا رواه الترمذي عن النضر بن شميل عن شعبة عن منصور به. ورواه من حديث أبي داود الطيالسي عن شعبة عن ربعي عن علي فذكره.
وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن أبي هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. - زاد ابن وهب-: وكان عرشه على الماء " [4]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وكل هذه الأحاديث وما في معناها فيها الوعيد الشديد على عدم الإيمان بالقدر، وهي الحجة على نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم. ومن مذهبهم: تخليد أهل المعاصي في النار، وهذا الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي. وفي الحقيقة إذا اعتبرنا إقامة الحجة عليهم بما تواترت به نصوص الكتاب والسنة من إثبات القدر، فقد حكموا على أنفسهم بالخلود في النار إن لم يتوبوا. وهذا لازم لهم على مذهبهم هذا، وقد خالفوا ما تواترت به أدلة الكتاب والسنة من إثبات القدر، وعدم تخليد أهل الكبائر من الموحدين في النار[5]. [1] مسلم: الجنائز (947) , والترمذي: الجنائز (1029) , والنسائي: الجنائز (1991) , وأحمد (3/266 ,6/32 ,6/40 ,6/97 ,6/231) . [2] قال في عون المعبود (ج 4 ص 362) فيصير الحديث مرفوعا. قال المنذري: وفي إسناده أبو سفيان الشيباني، وثقه ابن معين وغيره، وتكلم فيه أحمد وغيره. [3] صحيح: الترمذي: كتاب القدر (2145) : باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره. وابن ماجة في المقدمة (81) ; باب في القدر والطيالسي (1/ 22) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (7460) . [4] مسلم: كتاب القدر (2653) (16) : باب حجج آدم وموسى عليهما السلام. والترمذي: كتاب القدر (2156) : باب رقم [15] . [5] في قرة العيون: وهذا الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم البدع، وكثير منهم وافقوا الجهمية في نفي صفات الرب -تعالى وتقدس-.