قوله: "عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم- قال عمران؟ فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا؟ - ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمَن " [1].
قوله: "خير أمتي قرني" لفضيلة أهل ذلك القرن في العلم والإيمان والأعمال الصالحة التي يتنافس فيها المتنافسون، ويتفاضل فيها العاملون، فغلب الخير فيها وكثر أهله، وقلّ الشر فيها وأهله، واعتز فيها الإسلام والإيمان، وكثر فيها العلم والعلماء. "ثم الذين يلونهم" فضّلوا على من بعدهم لظهور الإسلام فيهم، وكثرة الداعي إليه والراغب فيه والقائم به. وما ظهر فيه من البدع أنكر واستعظم وأُزيل، كبدعة الخوارج والقدرية والرافضة، فهذه البدع وإن كانت قد ظهرت فأهلها في غاية الذل والمقت والهوان والقتل فيمن عاند منهم ولم يتب.
قوله: " فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا؟ " هذا شك من راوي الحديث عمران بن حصين رضي الله عنه. والمشهور في الروايات: أن القرون المفضلة ثلاثة، الثالث دون الأولين في الفضل، لكثرة البدع فيه، لكن العلماء متوافرون والإسلام فيه ظاهر والجهاد فيه قائم، ثم ذكر ما وقع بعد القرون الثلاثة من الجفاء في الدين، وكثرة الأهواء.
فقال: " "ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون " لاستخفافهم بأمر الشهادة وعدم تحريهم للصدق، وذلك لقلة دينهم وضعف إسلامهم.
قوله: "ويخونون ولا يؤتمنون" يدل على أن الخيانة قد غلبت على كثير منهم أو أكثرهم. "وينذرون ولا يوفون" أي لا يؤدون ما وجب عليهم، فظهور هذه الأعمال الذميمة يدل على ضعف إسلامهم وعدم إيمانهم.
قوله: "ويظهر فيهم السمن" لرغبتهم في الدنيا، ونيل شهواتهم والتنعم بها، وغفلتهم [1] البخاري: المناقب (3650) , ومسلم: فضائل الصحابة (2535) , والترمذي: الفتن (2221) , والنسائي: الأيمان والنذور (3809) , وأبو داود: السنة (4657) , وأحمد (4/427 ,4/440) .