العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته " سبيلي " طريقتي ودعوتي، "أَدْعُو إِلَى اللَّهِ" تعالى وحده لا شريك له " على بصيرة " بذلك ويقين علم مني به " أنا " ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي. {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} 1 " يقول له تعالى ذكره: وقل: تنزيها لله تعالى وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه. {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [2] يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم مني". انتهى.
قال في شرح المنازل: يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهي البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء. قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [3] أي أنا وأتباعي على بصيرة. وقيل: "من اتبعني" عطف على المرفوع في "أدعو" أي أنا أدعو إلى الله على بصيرة، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله تعالى على بصيرة، وعلى القولين: فالآية تدل على أن اتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى، ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة، وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوى.
قال المصنف - رحمه الله -: "فيه مسائل: منها التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرا ولو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه. ومنها: أن البصيرة من الفرائض. ومنها: أن من دلائل حسن التوحيد أنه تنزيه لله تعالى عن المسبة. ومنها: أن من قبح الشرك كونه مسبة لله تعالى. ومنها: إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك" اهـ.
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في معنى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [4] الآية ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو: فإنه إما أن يكون طالبا للحق محبا له، مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال. وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق. لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب. وإما أن يكون معاندا معارضا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن. فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن. انتهى.
قال: "وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما بعث
1 سورة يوسف آية: 108. [2] سورة يوسف آية: 108. [3] سورة يوسف آية: 108. [4] سورة النحل آية: 125.