responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 310
وَاخْتِيَارِهِمْ، بَلْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّهَا أَفْعَالُهُمُ الْبَتَّةَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَحَدَهُمْ غَيْرُ فَاعِلٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا قَادِرٍ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْمُحَرِّكَ لَهُ سِوَاهُ، وَأَنَّهُ آلَةٌ مَحْضَةٌ، وَحَرَكَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ وَحَرَكَاتِ الْأَشْجَارِ، وَهَؤُلَاءِ إِذَا أَنْكَرْتَ عَلَيْهِمْ أَفْعَالَهُمُ احْتَجُّوا بِالْقَدَرِ وَحَمَلُوا ذُنُوبَهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَغْلُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَرَوْا أَفْعَالَهُمْ كُلَّهَا طَاعَاتٍ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا لِمُوَافَقَتِهَا الْمَشِيئَةَ وَالْقَدَرَ، وَيَقُولُونَ: كَمَا أَنَّ مُوَاجَهَةَ الْأَمْرِ طَاعَةٌ، فَمُوَافَقَةُ الْمَشِيئَةِ طَاعَةٌ، كَمَا حَكَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِخْوَانِهِمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَشِيئَةَ اللَّهِ لِأَفْعَالِهِمْ دَلِيلًا عَلَى أَمْرِهِ بِهَا وَرِضَاهُ بِهَا، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ، وَأَشَدُّ عَدَاوَةً لِلَّهِ وَمُنَاقِضَةً لِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ، حَتَّى إِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَعْتَذِرُ عَنْ إِبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَيَتَوَجَّعُ لَهُ، وَيُقِيمُ عُذْرَهُ بِجَهْدِهِ، وَيَنْسُبُ رَبَّهُ إِلَى ظُلْمِهِ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْقَالِ، وَيَقُولُ: مَا ذَنْبُهُ وَقَدْ صَانَ وَجْهَهُ مِنَ السُّجُودِ لِغَيْرِ خَالِقِهِ، وَقَدْ وَافَقَ حُكْمَهُ وَمَشِيئَتَهُ فِيهِ وَإِرَادَتَهُ مِنْهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُمْكِنُهُ السُّجُودُ، وَهُوَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْهُ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهَلْ كَانَ فِي تَرْكِ سُجُودِهِ لِغَيْرِكَ إِلَّا مُحْسِنًا؟ وَلَكِنْ:
إِذَا كَانَ الْمُحِبُّ قَلِيلَ حَظٍّ ... فَمَا حَسَنَاتُهُ إِلَّا ذُنُوبُ
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَؤُلَاءِ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَوْلِيَاءُ إِبْلِيسَ وَأَحْبَابُهُ وَإِخْوَانُهُ، وَإِذَا نَاحَ مِنْهُمْ نَائِحٌ عَلَى إِبْلِيسَ، رَأَيْتَ مِنَ الْبُكَاءِ وَالْحَنِينِ أَمْرًا عَجَبًا، وَرَأَيْتَ مِنْ تَظَلُّمِ الْأَقْدَارِ وَاتِّهَامِ الْجَبَّارِ مَا يَبْدُو عَلَى فَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَصَفَحَاتِ وُجُوهِهِمْ، وَتَسْمَعُ مِنْ أَحَدِهِمْ مِنَ التَّظَلُّمِ، وَالتَّوَجُّعِ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ الْخَصْمِ الْمَغْلُوبِ الْعَاجِزِ عَنْ خَصْمِهِ، قَالَ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي تَائِيَّتِهِ:
وَتُدْعَى خُصُومُ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ ... إِلَى النَّارِ طُرًّا فِرْقَةُ الْقَدَرِيَّةِ
يَعْنِي الْجَبْرِيَّةَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - قَالَ: إِنَّ بِدْعَةَ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قَالَ: وَأَمَّا بِدْعَةُ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا إِمَامٌ، وَلَمْ تُعْرَفْ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ مَعْرُوفَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَثُرَ ذَلِكَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَسَمَّوْا هَذَا حَقِيقَةً، وَجَعَلُوا الْحَقِيقَةَ تُعَارِضُ الشَّرِيعَةَ، وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَحْقِيقَ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ كَالْإِخْلَاصِ، وَالصَّبْرِ، وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ

نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست