responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 359
الْأَزَلِ، وَعَلِمَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا وَقَضَاهَا، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ. وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُنْكِرَةِ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَزَعْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُقَدِّرِ الْأُمُورَ أَزَلًا، وَلَمْ يَكْتُبْهَا، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ عِلْمٌ بِهَا، وَإِنَّمَا يَأْتَنِفُهَا عِلْمًا حَالَ وُقُوعِهَا، وَهَؤُلَاءِ انْقَرَضُوا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ، إِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ، وَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ، لَا إِذْنَ وَلَا صُنْعَ لِلْبَارِّي فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ، فَرَاجِعْهُ إِنْ شِئْتَ
((وَلَيْسَ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ))
الْمُكَلَّفِ ((الرِّضَا)) وَهُوَ سُكُونُ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتُهُ إِلَى قِدَمِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، أَنَّهُ اخْتَارَ لَهُ الْأَفْضَلَ فَيَرْضَى بِهِ.
وَقَالَ الْجُنَيْدُ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: الرِّضَا صِحَّةُ الْعِلْمِ الْوَاصِلِ إِلَى الْقَلْبِ، فَإِذَا بَاشَرَ الْقَلْبَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ أَدَّاهُ إِلَى الرِّضَا. وَلَيْسَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ كَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، فَإِنَّ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ حَالَانِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقَانِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا فِي الْبَرْزَخِ، بِخِلَافِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَإِنَّهُمَا يُفَارِقَانِ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِحُصُولِ مَا كَانُوا يَرْجُونَهُ، وَأَمْنِهِمْ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجَاؤُهُمْ لِمَا يَنَالُونَ مِنْ كَرَامَتِهِ دَائِمًا، لَكِنَّهُ لَيْسَ رَجَاءً مَشُوبًا بِشَكٍّ، بَلْ رَجَاءٌ وَاثِقٌ بِوَعْدٍ صَادِقٍ مِنْ حَبِيبٍ قَادِرٍ، فَهَذَا لَوْنٌ وَرَجَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا لَوْنٌ، وَقَدْ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَتَى يَبْلُغُ الْعَبْدُ إِلَى مَقَامِ الرِّضَا؟ فَقَالَ: إِذَا أَقَامَ نَفْسَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ فِي مَا يُعَامِلُ بِهِ رَبَّهُ، فَيَقُولُ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي قَبِلْتُ، وَإِنْ مَنَعْتَنِي رَضِيتُ، وَإِنْ تَرَكْتَنِي عَبَدْتُ، وَإِنْ دَعَوْتَنِي أَجَبْتُ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الرِّضَا بِاللَّهِ أَعْلَى مِنَ الرِّضَا بِمَا مَنَّ اللَّهُ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرِّضَا أَنْ لَا يَحِسَّ بِالْأَلَمِ، وَالْمَكَارِهِ، بَلْ أَنْ لَا يَعْتَرِضَ عَلَى الْحُكْمِ وَلَا يَتَسَخَّطُهُ ; وَلِهَذَا أُشْكِلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ وَطَعَنُوا فِيهِ، وَقَالُوا: هَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى الطَّبِيعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَجْمَعُ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةَ، وَهُمَا ضِدَّانِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ وُجُودَ التَّأَلُّمِ وَكَرَاهَةَ النَّفْسِ لَهُ لَا يُنَافِي الرِّضَا؛ كَرِضَا الْمَرِيضِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ، وَرِضَا الصَّائِمِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْحُرِّ بِمَا يَنَالُهُ مَنْ أَلَمِ الظَّمَأِ، وَالْجُوعِ، وَرِضَا الْمُجَاهِدِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا،

نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 359
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست