في قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: "رسول منه"، وقال غيره ومحبة منه، والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ} 1 وفي قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} 2 أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد" أ. هـ3.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره "روح المعاني" قصة مضمونها أن طبيباً نصرانياً حاذقاً للرشيد ناظر عليَّ بن الحسين الواقدي المروزي ذات يوم فقال له: "إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام جزء منه ـ تعالى ـ وتلا هذه الآية فقرأ الواقدي قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} . فقال: إذن يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه ـ سبحانه وتعالى ـ عن ذلك علواً كبيراً فانقطع النصراني، فأسلم وفرح الرشيد فرحاً شديداً، ووصل الواقدي بصلة4 فاخرة.
وجاء في قرة عيون الموحدين: قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: "من الأرواح التي استخرجها من صلب آدم عليه السلام، وأخذ عليها العهد على أنه ـ تعالى ـ ربهم وإلههم....، وروح عيسى من تلك الأرواح التي خلقها الله تعالى ... فجبريل نفخ والله خلق بقوله "كن فكان" كما قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} 5 فسبحان من لا يخلق غيره ولا يعبد سواه" أ. هـ6.
ومن هذا نفهم أن النفخ سبب ظاهر لإيجاد الروح في كل مولود وقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ... "7. الحديث
1- سورة الأعراف، آية: 73.
2- سورة الحج، آية: 26.
3- تفسير القرآن العظيم: 2/459 ـ 460.
4- تفسير الألوسي: 6/25.
5- سورة ص، آية: 72.
6- قرة عيون الموحدين ص18، وانظر تيسير العزيز الحميد ص63، فتح المجيد ص47 ـ 48.
7- 2/211.