فابن جرير وابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ اعتبرا الآية عامة في جميع المسرفين في الذنوب من بني آدم، وأنه ـ تعالى ـ يغفر جميع ذلك مع التوبة النصوح ولا يجوز لعبد أن يقنط نفسه، أو غيره من رحمة الله ـ تعالى ـ ومغفرته اللتين هما من صفات الكمال ولذلك اتصف بهما رب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ.
وصفتا الرحمة والمغفرة وردا في كتاب الله تعالى في مواضع كثيرة:
قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 1.
وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 2.
قال العلامة ابن القيم: "وصفات الإحسان والجود والبر والمنة والرأفة واللطف أخص باسم "الرحمن" وكرر إيذاناً بثبوت الوصف وحصول أثره وتعلقه بمتعلقاته "فالرحمن" الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} 3 {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 4.
ولم يجيء رحمن بعباده، ولا رحمن بالمؤمنين مع ما في اسم "الرحمن" الذي هو على وزن "فعلان" من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به.
ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضباً وندمان وحيران، وسكران، ولهفان لمن ملئ بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الإسم كثيراً {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 5.
فاستوى على عرشه باسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} 6. فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء.
1- سورة البقرة، آية: 163.
2- سورة طه، آية: 5.
3- سورة الأحزاب، آية: 43.
4- سورة التوبة، آية: 117.
5- سورة الفرقان، آية: 59.
6- سورة الأعراف، آية: 156.