عالجت قضايا العقيدة على سبيل التفصيل، فقد تناولت الحديث عن التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الأسماء والصفات وذلك بذكر الكثير من صفات الله تعالى وإثباتها له كما يليق بجلاله، وتوحيد الألوهية: وذلك بذكر الكثير من أنواع العبادة التي لا يستحقها إلا الله تعالى، وتوحيد الربوبية: وذلك بذكر الكثير من دلائله المحسوسة التي يلمسها العباد ويشاهدونها في حياتهم، واشتملت أيضاً: على بيان ما يناقض التوحيد وينافيه وهو الشرك بالله العظيم، وذلك بذكر الفرق بين المشرك والموحد وأصل الشرك في بني الإنسان، وذم الإنسان الذي يجعل لله أنداداً، وبيان أن الشرك محبط للعمل وأن صاحبه من الخاسرين.
ثم انتقل الحديث فيها إلى وجوب الإيمان بالملائكة، والكتب والأنبياء والرسل، كما تناولت الحديث عن الإيمان بالقدر بذكر مراتبه الأربع، ثم ختم الحديث فيها عن وجوب الإيمان باليوم الآخر الذي يكون فيه المصير النهائي للمؤمنين والكافرين حيث بين الله في خاتمتها أن الجنة دار المتقين، وأن النار دار الكافرين الذين عبدوا غير الله وأشركوا معه غيره في العبادة فهي دارهم وبئس المصير.
ومن هذا يعلم أن السورة تكاد تكون مقصورة من أولها إلى آخرها على الإهتمام بالإيمان بالله تعالى وأنه المعبود بحق دون سواه، وأنه المتفرد بصفات الكمال والجلال، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل عليهم الصلاة والسلام، والإيمان بالقدر والبعث والمعاد، وأن هناك حياة أخرى خيراً من هذه الحياة فإذا ما آمن العباد بهذه العقائد سهل عليهم بعد تلقي تعاليم الشريعة الغراء والإلتزام بها علماً وعملاً وسلوكاً فمن أجل هذه المباحث المتقدمة التي عرضت لها "سورة: الزمر" أحببت أن تكون موضوعاً لرسالتي هذه، ولأن من أجل الأعمال وأفضلها الإشتغال بدراسة كتاب الله تعالى وفهم معانيه وتدبر آياته، وذلك من أحب الأعمال إلى الرب جل وعلا وأعظمها أجراً لأنه كلام الله، وكل عمل يتصل بهذا الكتاب من أجل خدمته وتبيينه للناس ليعملوا به فهو قربة يتقرب به إلى الله تعالى، فإنه ليس شيء أنفع للعباد في معاشهم ومعادهم وأقرب إلى نجاتهم من الإلتزام بما في هذا الكتاب المبين عقيدة وعملاً.