وقد دلت السنة والعقل على أن صفة العلم من الصفات الذاتية الثابتة لله ـ عز وجل ـ.
فقد روى البخاري: في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب..... الحديث1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها" قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"2.
"ومعنى الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا" أ. هـ3.
والأحاديث الواردة في إثبات صفة العلم كثيرة جداً لو تتبعت وجمعت لتكون منها مصنف كبير.
وأما الدليل العقلي على علمه ـ تعالى ـ فمن وجوه:
أولاً: أنه يستحيل إيجاده الأشياء بغير علم سابق قال ـ جل شأنه ـ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 4. ثانياً: إن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان وعجيب الصنعة ودقيق الخلقة ما يشهد بعلم الفاعل لها لامتناع صدور ذلك عن غير علم.
ثالثاً: إن في المخلوقات من هو عالم والعلم صفة كمال، فلو لم يكن الله عالماً لكان في المخلوقات من هو أكمل منه، وكل علم في المخلوق إنما استفاده من خالقه وواهب الكمال أحق به، وفاقد الشيء لا يعطيه5.
1- 1/202.
2- صحيح البخاري مع الفتح 11/493، وصحيح مسلم 4/2084 وكلاهما من حديث أبي هريرة.
3- شفاء العليل ص30.
4- سورة الملك آية: 14.
5- شرح العقيدة الأصفهانية ص24 ـ 25، وانظر لوامع الأنوار 1/148 ـ 149.