فالحديث نص في إثبات اليدين حقيقة ولو كانتا بمعنى النعمة أو القدرة لقالوا: أنت أبو الناس الذي خلقك الله بقدرته، أو بنعمته.
قال ابن القيم: وهذا التخصيص إنما فهم من قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 1 فلو كان مثل قوله {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 2 لكان هو والأنعام في ذلك سواء فلما فهم المسلمون أن قوله {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 3 يوجب له تخصيصاً وتفضيلاً بكون مخلوقاً باليدين على من أمر أن يسجد له وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه كانت التسوية بينه وبين قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} 4 خطأ محضاً اهـ5.
ويجب على المسلم أن يسلك في صفات الله ـ تعالى ـ مسلك السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين وهو إثبات ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم6
قال عبد الرحمن بن القاسم: "لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن ولا يشبه يديه بشيء ولا وجهه بشيء، ولكن يقول: له يدان كما وصف نفسه يقف عندما وصف به نفسه في الكتاب فإنه ـ تبارك وتعالى ـ لا مثيل له ولا شبيه ولكن هو الله لا إله إلا هو"اهـ7.
وقال الترمذي رحمه الله تعالى في باب فضل الصدقة "قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها، ولا نتوهم ولا يقال كيف؟ كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم أمروها بلا كيف وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية، فأنكروها
1- سورة ص آية: 75.
2- سورة يس آية: 71.
3- سورة ص آية: 75.
4- سورة يس آية: 71.
5- مختصر الصواعق 1/39، التفسير القيم ص422.
6- رسالة أبي الحسن الأشعري إلى أهل الثغر "ق" 1/1.
7- رسالة الإعتقاد لمحمد بن عبد الله بن أبي زمنين "ق" 2/2.