فهذه الآية اشتملت على نوعي الدعاء وفسرت بهما معاً.
فقيل: أعطيه إذا سألني.
وقيل: أثيبه إذا عبدني1.
وكلا التفسيرين متلازمان "وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعاً فتأمله فإنه موضع عظيم النفع قل من يفطن له وأكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعداً هي من هذا القبيل"2.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} 3.
وهذه الآية فيها قولان للمفسرين:
الأول: قيل لولا دعاؤكم إياه.
الثاني: قيل لولا دعاؤه إياكم إلى عبادته4.
فعلى القول الأول: يكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، وعلى القول الثاني: يكون المصدر مضافاً إلى المفعول. ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى ـ الأول5 وعلى هذا فالمراد بلفظ الدعاء في الآية نوعا الدعاء وهو في دعاء العبادة أظهر والمعنى أي: ما يعبأ بكم لولا أنكم تعبدونه عبادة تستلزم طلبه وسؤاله.
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 6.
وهذه الآية أيضاً تضمنت نوعي الدعاء معاً إلا أنها في دعاء العبادة أظهر ولذلك جاء
1- مجموع الفتاوى 15/11، بدائع الفوائد: 3/3.
2- بدائع الفوائد 3/3.
3- سورة الفرقان آية: 77.
4- البحر المحيط لأبي حيان 6/517، انظر إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن 2/166.
5- مجموع الفتاوى 15/12، بدائع الفوائد 3/3.
6- سورة غافر آية: 60.