وقد أخبرنا العليم الخبير بأن خواص عباده الذين كان أهل الشرك يزعمون أنهم ما كانوا يعبدونهم إلا رجاء أن يقربوهم إلى الله زلفى أنهم كانوا من أشد الناس تحقيقاً لعبودية الرجاء وعبودية الخوف قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 1.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "يقول تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم من دوني هم عبادي، يتقربون إلي بطاعتي ويرجون رحمتي ويخافون عذابي فلماذا تدعونه من دوني؟ فأثنى عليهم بأفضل أحوالهم ومقاماتهم من الحب والخوف والرجاء. اهـ2.
واختلف المفسرون في هؤلاء المدعوين:
فقيل: إنهم نفر من الجن كان يعبدهم نفر من الإنس فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم فأنزل الله الآية.
وقيل: إنهم صنف من الملائكة يقال لهم الجن، كان قبائل من العرب يعبدونهم ويقولون لهم بنات الله.
وقيل: إن المراد بهؤلاء المدعوين الملائكة والمسيح وعزير كان المشركون يعبدونهم3 قال شيخ الإسلام بعد ذكره الآية السابقة: قال طائفة من السلف كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالعزير والمسيح فبين الله تعالى أن الملائكة والأنبياء عباد الله كما أن الذين يعبدونهم عباد الله وبين أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه كما يفعل سائر عباده الصالحين. اهـ4.
فالذي يتضح لنا من هذا أن المشركين كانوا في واد والذين يدعونهم في واد آخر حيث إن المدعوين كانوا مشتغلين بأنفسهم متجهين إلى ربهم يدعونه خوفاً من عذابه ورجاء رحمته.
1- سورة الإسراء آية: 56 ـ 57.
2- مدارج السالكين 2/42.
3- الدر المنثور للسيوطي 5/305.
4- مجموع الفتاوى 1/158.