النوع الثاني: إنابة أولياء الله الموحدين المخلصين المنقادين وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية، ومحبة وهذه تتضمن أربعة أمور:
الأمر الأول: محبة الله ـ تعالى ـ.
الأمر الثاني: الخضوع له ـ سبحانه ـ.
الأمر الثالث: الإقبال عليه دون سواه.
الأمر الرابع: الإعراض عما سواه ـ تعالى ـ.
ولا يستحق اسم "المنيب" إلا من اجتمعت فيه هذه الأمور الأربعة وتفسير السلف لهذه "اللفظة يدور على ذلك، وفي اللفظة معنى الإسراع، والرجوع والتقدم و"المنيب" إلى الله المسرع إلى مرضاته الراجع إليه كل وقت، المتقدم إلى محابه"1 اهـ. وعندما نتصفح كتاب الله الذي أنزله الله موعظة للناس وشفاء لما في الصدور وهدى، ورحمة لعباده المؤمنين نجد أن الإنابة أخص وصف أثنى الله به على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وجعلها ـ سبحانه ـ من أبرز صفات عباده الموحدين.
قال تعالى في معرض ثنائه على خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} 2. فلقد وصف الله إبراهيم بثلاث صفات في هذه الآية آخرها الإنابة.
وقال تعالى عن نبيه داود عليه الصلاة والسلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} 3.
وفي هذه الآية أيضاً: وصف الله نبيه داود عليه الصلاة والسلام بثلاث صفات آخرها الإنابة.
وقال تعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} 4، وأخبر ـ تعالى ـ أن آيته الدالة على ربوبيته وألوهيته إنما يتبصر بها ويتذكر أهلُ الإنابة قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا
1- مدارج السالكين: 1/334.
2- سورة هود آية: 75.
3- سورة ص آية: 24.
4- سورة هود آية: 88.