بالإلهية محبة له تعبده لا تشرك به شيئاً ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل" اهـ1.
ولقد أعلمنا ـ سبحانه ـ أن ثوابه العظيم وجنته التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إنما هي لأهل الخشية والإنابة قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} 2.
ومن علامة إسعاد الله ـ تعالى ـ عبده أن يرزقه الإنابة والرجوع إليه ـ سبحانه ـ، ومن علامة الشقاوة للعبد أن يغويه الشيطان فيكون معجباً بعمله ولا ينيب إلى ربه. روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده من حديث جابر بن عبد الله رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة"3.
مراتب الناس في الإنابة:
إن الناس على مراتب في إنابتهم إلى الله ـ تعالى ـ وأنهم فيها على درجات متفاوتة، فهم متنوعين في رجوعهم إلى ربهم الذي خلقهم ورزقهم من حيث الدافع لهم وهم أقسام.
القسم الأول: من ينيب إلى الله ـ سبحانه ـ بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي، وهذه الإنابة منبعها مطالعة الوعيد الذي أعده الله للمخالفين العصاة. والباعث عليها العلم والخشية والحذر.
القسم الثاني: من الناس من ينيب إلى الله ـ عز وجل ـ بالدخول في أنواع العبادات، والكربات فهذا الصنف يسعى بجد واجتهاد لأن فعل الطاعات وأنواع القربات محبب إليه، وهذه الإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد، والثواب ومحبة الكرامة من الرب ـ سبحانه ـ وهذا الصنف من الناس هم أبسط نفوساً وأشرح من القسم الأول لأن جانب الرجاء ومطالعة
1- مجموع الفتاوى: 14/296.
2- سورة ق آية: 31 ـ 34.
3- المسند 3/332، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 15/270.