ظلمة الآخر فيدخل كل واحد منهما في موضع الآخر وعلى هذا القول تكون الآية عامة في كل ليل ونهار.
الثاني: أنه يزيد في أحدهما ما ينقصه من الآخر فما ينقص منه يلج في الآخر لا يذهب جملة وعلى هذا القول فالآية تكون خاصة ببعض ساعات كل من الليل والنهار في غير زمن الاعتدال فهي خاصة في الزمان وفي مقدار ما يلج في أحدهما من الآخر1. ولا تنافي بين القولين فكلاهما حق.
وعلى كل فاختلاف الليل والنهار وزيادة أحدهما ونقصان الآخر من أظهر الأدلة على تصرفه سبحانه في هذا الكون وذلك وذلك لأن النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان وفي كل يوم يغلب هذا ذاك تارة وذاك هذا أخرى، وذلك يدل على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره، وهو الله سبحانه وتعالى2.
3 ـ تسخير الشمس والقمر لتهيئة مصالح العباد ومنافعهم:
إذا تأمل الإنسان بفكر عميق وعقل متدبر في بعض جزئيات هذا الكون المسخر لمصالحه والتي عليها استقرار حياته كفاه ذلك دليلاً واضحاً وحجة بينة على أن هذا الكون مخلوق لخالق حكيم قدير ومن جزئيات هذا العالم تسخير الشمس والقمر المشار إليه في السورة بقوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} .
إن الشمس والقمر عليهما يترتب قوام حياة البشرية وحياة جميع المخلوقات من حيوان ونبات.
قال الرازي: والثابت اعتبار أحوال الكواكب لا سيما الشمس والقمر فإن الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما وقوله: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً} الأجل المسمى يوم القيامة لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا ونظيره قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَر} 3 والمراد من هذا التسخير
1- مفتاح دار السعادة 1/209 ـ 210.
2- تفسير الرازي 26/244.
3- سورة القيامة آية: 9.