{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي بالمحبة للتقرب والتوسل بهم إلى الله ـ تعالى ـ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} أي يقولون ذلك احتجاجاً على ضلالهم {إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي عند حشر معبوداتهم معهم فيقرن كلاَّ منهم مع من يتولاه من عابد ومعبود ويدخل المبطل النار مع المبطلين كما يدخل المحق الجنة مع المحقين ا. هـ1.
فالآية بينت أن أصل الشرك في المشركين من بني آدم إنما كان نتيجة الغلو في المخلوق ورفعه فوق منزلته ويشهد لهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودَّ فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وأصل الشرك في بني آدم كان من الشرك بالبشر الصالحين المعظمين، فإنهم لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم، فهذا أول شرك كان في بني آدم، وكان في قوم نوح فإنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض يدعوهم إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك كما قال ـ تعالى ـ {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} 3 وهذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح فلما ماتوا جعلوا الأصنام على صورهم ثم ذهبت هذه الأصنام لما أغرق الله أهل الأرض ثم صارت إلى العرب كما ذكر ابن عباس وغيره إن لم يكن أعيانها فهي نظائرها"ا. هـ4.
1- محاسن التأويل 14/195.
2- 3/208.
3- سورة نوح آية: 23 ـ 24.
4- الحسنة والسيئة 113 ـ 114.