ورواية أخرى تقول: "إنه جاء بالأصنام من بلاد الشام عندما رآهم يعبدونها طلب منهم صنماً فأعطوه واحداً نصبه بمكة وأمر الناس بعبادته وتعظيمه" 1.
وعلى كل فإن عمرو هذا استطاع التأثير على العرب واستخفهم فأطاعوه حتى غير عليهم دين إبراهيم لما كان له من مكانة فيهم، فأطاعوه في معصية الله تعالى فيما ابتدعه من الأمور التي لم يأذن بها الله.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والمقصود أن عمرو بن لحي لعنه الله كان قد ابتدع لهم أشياء في الدين غير بها دين الخليل فاتبعه العرب في ذلك فضلوا بذلك ضلالاً بعيداً بيناً قطعياً شنيعاً" اهـ2.
هذه لمحة عن بعض الأصنام التي كانت شائعة عند العرب، وهناك أصنام ومعبودات أخرى يضيق المقام بذكرها، وذكرنا هذا الطرف منها للتمثيل لمعرفة ما كانت عليه حالة العرب في الجاهلية من توجيههم العبادة لتلك الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عنهم من الله شيئاً، فقد كانوا لفرط جهلهم يدعونها من دون الله ويفزعون إليها في النائبات ويزعمون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وهذا نتيجة الجهل والغلو في المخلوق وإعطائه منزلة فوق منزلته، قال العلامة ابن القيم مبيناً سبب إقبال العرب على عبادة الأصنام: "ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعل فيه حظ من الإلهية وشبهوه بالله ـ سبحانه ـ وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله ـ سبحانه ـ وبعث رسله، وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله، فهو ـ سبحانه ـ ينفي وينهي أن يجعل غيره مثلاً له، ونداً له وشبهاً له لا أن يشبه هو بغيره إذ ليس في الأمم المعروفة أمة جعلته ـ سبحانه ـ مثلاً لشيء من مخلوقاته فجعلت المخلوق أصلاً وشبهت به الخالق، فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم، وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك غلواً فيمن يعظمونه، ويحبونه حتى شبهوه بالخالق، وأعطوه خصائص الإلهية بل صرحوا أنه إله، وأنكروا جعل الآلهة إلهاً واحداً وقالوا: {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} 3 وصرحوا بأنه إله معبود يرجى ويخاف ويعظم ويسجد له ويحلف باسمه،
1- السيرة النبوية لابن هشام 1/77.
2- البداية 2/207 مطبعة الفجالة ـ القاهرة.
3- سورة ص آية: 6.