وأما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه قال: إن هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، ومثل المؤمن في الخير الذي عنده ثم رزقه منه رزقاً حسناً فهو ينفق منه على نفسه وعلى غيره سراً وجهراً، والكافر بمنزلة عبد مملوك عاجز لا يقدر على شيء لأنه لا خير عنده فلا مساواة بين الرجلين عند أحد من ذوي الألباب1.
قال العلامة ابن القيم "والقول الأول أشبه بالمراد فإنه أظهر في بطلان الشرك وأوضح عند المخاطب، وأعظم في إقامة الحجة، وأقرب نسباً بقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ثم قال: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} 2 ومن لوازم هذا المثل وأحكامه أن يكون المؤمن الموحد كمن رزقه منه رزقاً حسناً، والكافر المشرك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، فهذا مما نبه عليه المثل وأرشد إليه، فذكره ابن عباس منبهاً على إرادته لا أن الآية اختصت به فتأمله" اهـ3.
ومن الأمثال التي ضربها الله لقبح الإشراك به ـ سبحانه ـ وتعالى {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4 وفي هذه الآية ضرب الله ـ سبحانه ـ فيها لنفسه وللأصنام المعبودة من دونه مثلاً، فالصنم الذي يعبد من دونه إنما هو بمثابة رجل أبكم لا يعقل، ولا ينطق بل هو أبكم القلب واللسان قد عدم النطق القلبي واللساني، إضافة إلى ذلك أنه عاجز لا يقدر على شيء ألبتة، ومع هذا فأينما وجه لا يأتي بخير ولا يقضي حاجة لمن أرسله.
أما الله ـ تعالى ـ فإنه الحي القادر المتكلم الآمر بالعدل وهو على الصراط المستقيم وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد فإنه ـ سبحانه ـ الآمر بالعدل ـ وهو الحق ـ "وذلك يتضمن أنه سبحانه ـ عالم به، معلم له راض به آمر لعباده به محب لأهله لا يأمر بسواه بل هو ـ سبحانه ـ منزه عن ضده الذي هو الجور والظلم والسفه، والباطل، بل أمره وشرعه
1- جامع البيان 14/149، تفسير ابن كثير 4/211.
2- سورة النحل آية: 73 ـ 74.
3- أعلام الموقعين 1/161.
4- سورة النحل آية: 76.