فصور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير في الهواء فتمزق مزقاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة وعلى هذا لا تنظر إلى كل فرد من أفراد المشبه، ومقابله من المشبه به.
الثاني: أن يكون من التشبيه المفرق فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل والممثل به وعلى هذا فيكون قد شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض، وإليها يصعد منها وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليه وتؤزه أزاً وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلاكه، فكل شيطان له مزعة من دينه وقلبه كما أن لكل طير مزعة من لحمه وأعضائه والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء. اهـ1.
فكل ما تقدم من الآيات القرآنية وأقوال العلماء من التحذير من الشرك يوجب للإنسان أن يخاف على نفسه فإنه أعظم ذنب عصي الله ـ تعالى ـ به.
وقد ذكر الله عن خليله إبراهيم أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام أنه خاف على نفسه وبنيه من عبادة الأصنام مع أنه عليه الصلاة والسلام قد أكرمه الله بالعصمة من الشرك وغيره.
وقال تعالى مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} 2.
قال في تيسير العزيز الحميد {وَاجْنُبْنِي} أي اجعلني وبني في جانب عن عبادة الأصنام وباعد بيني وبينها قيل: وأراد بذلك بنيه وبناته من صلبه ولم يذكر البنات لدخولهم تبعاً في البنين، وقد استجاب الله دعاءه وجعل بنيه أنبياء وجنبهم عبادة الأصنام وإنما دعا إبراهيم عليه السلام بذلك لأن كثيراً من الناس افتتنوا بها كما قال {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً
1- أعلام الموقعين 1/180.
2- سورة إبراهيم آية: 35 ـ 36.