فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما دلهم على أن الشرك ظلم في كتاب الله فلا يحصل الأمن والإهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم فإن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والإهتداء ... فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه دون الشرك، كان له الأمن التام والإهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والإهتداء المطلق بمعنى:
أنه لا بد من أن يدخل الجنة كما وعد الله بذلك وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والإهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه، وليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما هو الشرك" أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والإهتداء التام فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف لم يحصل لهم الأمن التام والإهتداء التام الذي يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من غير عذاب يحصل لهم، بل معهم أصل الإهتداء إلى الصراط ومعهم أصل نعمة الله عليهم. ولا بد لهم من دخول الجنة، وقوله "إنما هو الشرك" إن أراد به الأكبر فمقصوده:
أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا والآخرة، وإن كان مراده جنس الشرك يقال: ظلم العبد نفسه كبخله لحب المال ببعض الواجب، هو شرك أصغر، وحبه ما يغضب الله ـ تعالى ـ حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر ونحو ذلك فهذا فاته من الأمن والإهتداء بحسبه ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الشرك بهذا الاعتبار"اهـ1.
ومن هذا يعلم أن الشرك بالله أظلم الظلم وأشد ذنب عصيي الله به ولذلك رتب الله عليه من العقوبات الدنيوية والأخروية ما لم يرتبه على ذنب سواه من إباحة دماء أهله، وأموالهم وسبي نسائهم "وأولدهم وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه"2.
قال في تيسير العزيز الحميد "وإنما كان كذلك لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم إذ مضمونه تنقيص رب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به كما قال تعالى
1- مجموع الفتاوى 7/80 ـ 81.
2- تيسير العزيز الحميد ص89 بتصرف يسير.