قال: والقضاء: معناه في هذا الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} 1 أي خلقهن، وإذا كان الأمر كذلك فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم واكتسابهم، ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقديم إرادة واختيار والحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها قال: وجماع القول في هذا أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" اهـ2. فمن جعل للقضاء والقدر تعريفاً واحداً كابن بطال والخطابي فمعناه: "هو النظام المتقن الذي وضعه الله لهذا الكون علويه وسفليه والقوانين العامة، والسنن التي ربط بها الأسباب بمسبابتها وهذا المعنى: هو الذي وردت به الكثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار} 3 وقوله ـ جل شأنه ـ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} 4. وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 5 قال قتادة: سألت سعيد بن المسيب عن القدر فقال: "ما قدر الله فهو قدر"6. وقد أجاب الإمام أحمد حين سئل عن القدر فقال: "القدر قدرة الله تعالى" قال ابن القيم معلقاً على تعريف الإمام أحمد: "واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جداً وقال هذا يدل على دقة علم أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين وهو كما قال أبو الوفاء فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الله على خلق أعمال العباد وكتابتها وتقديرها وسلف القدرية كانوا ينكرون علمه بها وهم الذين انفق سلف الأمة على تكفيرهم"7 وفي الحقيقة أن تعريف الإمام أحمد السابق جامع مانع لمدلول القدر فالإمام أحمد رحمه الله تعالى يقصد أن القدر هو ما قرره ـ سبحانه ـ في قوله تعالى {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ} 8 وقوله: {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} 9 وقوله: {يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِه} 10 وغير ذلك من الآيات التي
1- سورة فصلت آية: 12.
2- معالم السنن شرح سنن أبي داود 5/76 ـ 77 وانظر لوامع الأنوار 1/347 ـ 348.
3- سورة الرعد آية: 8.
4- سورة الحجر آية: 21.
5- سورة القمر آية: 49.
6- ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة ص116.
7- شفاء العليل ص28 وانظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد 1/257.
8- سورة آل عمران آية: 154.
9- سورة يس آية: 13.
10- سورة يونس آية: 3.