وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في بيان معنى المشيئة هو طبق ما جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة وذلك أن لله مشيئة لا يخرج عنها حادث صغير ولا كبير ولا عين ولا فعل، ولا وصف إلا بمشيئته ـ تعالى ـ فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقد أكثر القرآن في هذا الشأن. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 1.
وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} 2.
وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} 3.
وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} 4.
وقال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} 5.
وقال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} 6.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على إثبات المشيئة، كما تدل على تكذيب نفاتها.
قال ابن القيم بعد أن ساق الكثير من الآيات الدالة على إثبات مشيئة الرب ـ جل وعلا ـ: "وهذه الآيات ونحوها تتضمن الرد على طائفتي الضلال نفاة المشيئة بالكلية، ونفاة مشيئة أفعال العباد وحركاتهم وهداهم وضلالهم وهو ـ سبحانه ـ تارة يخبر أن كل ما في الكون بمشيئته، وتارة أن ما لم يشأ لم يكن، وتارة أنه لو شاء لكان خلاف الواقع، وأنه لو شاء لكان خلاف القدر الذي قدره وكتبه، وأنه لو شاء ما عصي وأنه لو شاء لجمع خلقه على الهدى وجعلهم أمة واحدة، فتضمن ذلك أن الواقع بمشيئته، وأن ما لم يقع فهو لعدم مشيئته وهذا حقيقة الربوبية، وهو معنى كونه رب العالمين وكونه القيوم القائم بتدبير عباده فلا خلق ولا رزق ولا عطاء ولا منع، ولا قبض ولا بسط ولا موت ولا حياة ولا إضلال، ولا هدى، ولا سعادة، ولا شقاوة إلا بعد إذنه، وكل ذلك بمشيئته وتكوينه إذ لا مالك غيره ولا
1- سورة البقرة آية: 253.
2- سورة السجدة آية: 13.
3- سورة هود آية: 118.
4- سورة الأنعام آية: 35.
5- سورة فاطر آية: 16.
6- سورة النساء آية: 133.