العامة الدالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره فإن المحبة غير المشيئة والأمر غير الخلق ونظير هذا لفظ الأمر فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع والثاني قد يعصى وبخلاف أمر التكوين فقوله ـ تعالى ـ {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} 1 لا يناقض قوله: {إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} 2 وليس هناك حاجة إلى تكلف تقدير أمرنا مترفيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها بل الأمر هنا أمر تكوين وتقدير لا أمر تشريع" أ. هـ3.
والحاصل مما تقدم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة إثبات مشيئة الرب ـ جل وعلا ـ وأنها الموجبة لكل موجود في هذا الكون كما أن عدم مشيئته ـ سبحانه ـ يوجب عدم الشيء فهما الموجبتان، فما شاء الله تحتم وجوده وما لم يشأ تحتم عدمه وامتناعه وهذا أمر شامل لكل مقدور من أعيان وأفعال، وحركات وسكنات ـ فسبحانه ـ أن يكون في ملكه ما لا يشاء، أو أن يشاء شيئاً فلا يكون، وإن كان في الأشياء ما لا يرضاه ولا يحبه، وإن كان يحب الشيء فلا يحصل لعدم مشيئته ـ سبحانه ـ له ولو شاء ذلك لوجد. له الحكم النافذ، والمشيئة المطلقة، والقدرة التامة على كل شيء.
4 ـ مرتبة خلق الله ـ سبحانه ـ الأعمال وتكوينه وإيجاده لها:
لقد دلت سورة "الزمر" على أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء ومن ذلك أعمال العباد، فهو المكون لها والموجد لها ـ وحده لا شريك له ـ قال تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} .
هذه الآية الكريمة من السورة تدل على أن جميع الأشياء مخلوقة فقد أخبر ـ تعالى ـ أنه خالق لجميع العالم علويه، وسفليه، ومن ضمن ذلك أفعال عباده فإنها شيء من الأشياء، ففيها رد على القدرية القائلين بأن العبد هو الخالق لأفعاله، كما أن فيها رداً على الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وهي أيضاً: ترد على القائلين بقدم الأرواح، وهذه الأقوال صادرة عن أهل الباطل، وهي تتضمن تعطيل ـ الباري سبحانه ـ عن خلقه.
1- سورة الإسراء آية: 16.
2- سورة الأعراف آية: 28.
3- شفاء العليل ص47 ـ 48.