لأسباب كما تقدم ذلك في الآيات التي قدمنا ذكرها حيث تبين لنا أن الهداية إنما هي ثمرة العمل الصالح والإقبال على منهج الله تعالى، والضلال إنما هو نتائج العمل القبيح السيئ وإذا رجعنا إلى الآيات القرآنية نجد هذا المعنى بيناً واضحاً لا التباس فيه ولا إشكال.
قال تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} 1 وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} 2 فالهداية الحاصلة للمؤمنين إنما هي ثمرة مجاهدتهم لأنفسهم وإنابتهم إلى الله واستمساكهم بإرشاده ووحيه. قال تعالى في شأن الإضلال {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} 3 وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 4 وقال تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} 5.
فالذي نشاهده من خلال هذه الآيات أن سبب الإضلال هو الزيغ والخروج عن طاعة الله والكبر، والجبروت، والكفر، واقتراف الآثام، فالذي يؤثر العمى على الهدى ويستحب الظلام على النور يعاقب من الله بعمى البصيرة بمقتضى السنة الجارية وهي ارتباط الأسباب بمسبباتها. والمقدمات بنتائجها.
مراتب الهداية:
إن للهداية التي هي أعظم نعمة ينالها العبد أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الهداية العامة المشتركة بين الخلق أجمعين وقد ذكرها الله تعالى في قوله: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} 6 أي: أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيأته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال، وهذه الهداية تعم هداية الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره وهداية الجماد المسخر لما خلقه الله، فله هداية تليق به. كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به، وإن اختلفت أنواعها وضروبها، وكذلك لكل
1- سورة الرعد آية:27.
2- سورة العنكبوت آية:69.
3- سورة غافر آية:35.
4- سورة الصف آية:5.
5- سورة النساء آية:155.
6- سورة طه آية:50.