قال ابن جرير: عند قوله ـ تعالى ـ {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
يقول تعالى ذكره: ثم بعد اجتراحكم في الدنيا ما اجترحتم من صالح وسيئ وإيمان وكفر أيها الناس، إلى ربكم مصيركم من بعد وفاتكم فينبئكم يقول: فيخبركم بما كنتم في الدنيا تعملونه من خير وشر، فيجازيكم على كل ذلك جزاءكم، المحسن بإحسانه، والمسيء بما يستحقه.
يقول ـ عز وجل ـ: "فاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتم في الدنيا بما لا يرضاه منكم فتهلكوا، فإنه لا يخفى عليه عمل عامل منكم" أ. هـ1.
وأما الآية الثانية: وهي قوله ـ تعالى ـ {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} .
بين الله ـ تعالى ـ فيها أنه لا مساواة ولا التقاء بين من هداه الله ووفقه لسلوك الطريق الذي يوصله إلى طريق الجنة التي هي دار الكرامة وبين من كان في الضلال واستمر على عناده حتى قدم على الله يوم القيامة فجاءه عذاب الله الذي لا يقادر قدره، فجعل يتقيه بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، وأقل شيء من العذاب يؤثر فيه فهو يتقي به سوء العذاب لأن يديه ورجليه قد غلت وألقي في نار جهنم وفاقاً لكسبه الذي كسبته يداه في دنياه، فآثر الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد فكان من أصحاب النار.
قال البغوي رحمه الله ـ تعالى ـ {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} أي: شدته يوم القيامة.
قال مجاهد: يجر وجهه في النار.
وقال عطاء: يرمى به في النار منكوساً فأول شيء تمسه النار وجهه.
قال مقاتل: هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت فتشتعل النار وهو معلق في عنقه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه للأغلال التي في عنقه ويده، ومجاز الآية {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ}
1- جامع البيان 23/198.