ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمراً يلعن بعضهم بعضاً، ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحداً واحداً فلا تهمل تدبر قوله {زُمَراً} وقال خزنة الجنة لأهلها {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي: سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم قالوا لهم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي: سلامتكم، ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود.
وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فاعترفوا وقالوا {بَلَى} فبشروهم بدخولها والخلود فيها وأنها بئس المثوى لهم، وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها "ادخلوها" وقول خزنة النار لأهلها "ادخلوا أبواب جهنم" تجد تحته سراً لطيفاً ومعنى بديعاً لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حراً وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل: ادخلوا أبوابها صغاراً لهم وإذلالاً وخزياً، ثم قيل لهم: لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار، وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها، وتأمل قوله سبحانه {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} 1. كيف تجد تحته معنى بديعاً وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي، وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} 2 أي مطبقة مغلقة ومنه سمي الباب "وصيداً" وهي {مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب.
قال مقاتل: "يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد".
1- سورة ص آية: 50، 51.
2- سورة الهمزة آية: 8.