هذا وصف قصور الجنة وبناؤها التي ينبغي المسابقة المسارعة إلى الأعمال التي تكون سبباً في الحصول على ذلك بعد رحمة الله ـ تعالى ـ قال ابن كثير بعد أن ذكر كثيراً من الأحاديث الواردة في وصف قصور الجنة وغرفها.
"وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة أبوابه ومصارعه، وسقفه، وفي حديث آخر أن بعض سقوف الجنة نور يتلألأ كالبرق اللامع لولا أن الله يثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها" اهـ1.
وأما أنهار الجنة فقد جاء وصفها في السورة بأنها تجري من تحت غرف الجنة وقصورها كما هو ظاهر الآية التي صدرنا بها هذا المبحث وهي قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فهذه الآية من السورة وصفت أنهار الجنة بأنها تجري من تحت تلك الغرف التي بعضها فوق بعض درجات.
قال ابن كثير: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: تسلك الأنهار بين خلال ذلك كما شاؤوا وأين أرادوا2.
ولقد تكرر ذكر أنهار الجنة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وكلها مقترنة بحرف "من" ما عدا موضعاً واحداً من كتاب الله فإنه جاء بدون حرف "من" وهو قوله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} 3. قال مسروق رحمه الله تعالى: "أنهار الجنة في غير أخدود"4.
وقال ابن جرير الطبري: عند قوله تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} 5 "يعني: مصبوب سائل في غير أخدود كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} قال يجري في غير أخدود" اهـ6.
1- النهاية 2/240.
2- تفسير القرآن العظيم 6/86.
3- سورة التوبة آية: 100.
4- المصنف لابن أبي شيبة 13/97.
5- سورة الواقعة آية: 31.
6- جامع البيان 27/184.