ويعارضون من يقول: إِن التشابه يكون في معنى اللفظ بحيث لا يَعْلَمُ المراد به إِلا الله تعالى، ويَرَوْنَ أن لازم هذا القول أن الله أنزل على نبيِّه كلامًا لم يكن يَفهم معناه لا هو ولا جبريل ولا غيرهما، وهذا قدحٌ في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القرآن، إِذ كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله بيانًا وهدى ونورًا وشفاءً، وأمرنا أن نتدبره ونعقله كله، لم يستثن منه شيئًا لا يُتدبر ولا يُعقل، وأمر الرسول أن يبين للناس ما نُزِّلَ إِليهم، وأن يبلِّغَهم البلاغَ المبين.
فلو كان في القرآن شيءٌ لا يُفُقَه معناه، لم يكن هناك معنى للأمر بتدبّره وعقله، ولم يكن الرسول حينئذٍ بَيَّنَ للناس ما نُزِّلَ إِليهم، ولا بَلَّغَ البلاغ المبين.
وأما المعنى الثاني للتأويل، فهو نفس المراد بالكلام، فإِن كان الكلامُ أمرًا أو نهيًا، فتأويلُه نفسُ فعل المأمور به، وترك المحظور، كما قالت عائشة رضي الله عنها:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعِه وسجوده: " سبحانَكَ اللهمّ ربَّنا وبِحَمْدِكَ، اللهمّ اغْفِرْ لي " يتأوًّلُ القرآن» [1] . تعني أن هذا هو تأويلُ قوله تعالى: [1] أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) (4967، 4968) ، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود: (484) ، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود: (877) ، والنسائي في كتاب التطبيق، باب نوع آخر من الذكر في الركوع: (1047، 1122، 1123) ، وابن ماجه في كتاب إِقامة الصلاة. .، باب التسبيح في الركوع والسجود: (889) ، وأحمد في مسنده: (1 / 388، 392) .