النبوة التي هي مظهر كل نور، ومنبع كل خير، وأساس كل هدى؛ فكانوا أسلم الناس فطرة، وأقلهم تكلفاً، وأعظمهم إيماناً، وأزكاهم نفوساً.
ثم سلك أثرهم التابعون لهم بإحسان؛ فاقتفوا طريقهم، واهتدوا بهداهم، ودعوا إلى ما دعوا إليه، ومضوا إلى ما كانوا عليه.
ثم بعد ذلك دب في هذه الأمة داء الأمم، فركبت سنن من كان قبلها؛ فدخلت فلسفاتُ اليونانِ والهندِ وفارس، وضلالاتُ أهلِ الكتابِ بلادَ المسلمين، وحدث انقلاب في كثير من الاعتقادات، وجرت محاولات التوفيق بين الدين والفلسفة، وتسلط سيف التأويل على نصوص الشريعة؛ فحدثت بدع، وشاعت ألفاظ دخيلة، وتكدر وجه الحق بشوائب الباطل، وخفيت بعض معالم الهدى بسبب ما أُحدث من مصطلحات غريبة الوجه واليد واللسان عن دين الإسلام، ولغة القرآن.
لذا هبَّ علماء الإسلام والسنة _ على وجه الخصوص _ لمنازلة المخالفين، والرد عليهم بالحجة والبينة والعدل والرحمة، واضطروا إلى التنزل ومخاطبة المخالفين بأساليبهم، ومصطلحاتهم؛ فنشأ من خلال ذلك _ في بعض الأحيان _ صعوبةٌ في فهم كلامهم، واستغلاقٌ للمعاني التي يريدون الوصول إليها وإن كان ذلك نسبياً وليس قاعدة مطردة.
ومن هنا يظن بعض من يقرأ مؤلفات العلماء في العقيدة أنها صعبة المرتقى، بعيدة المنال، وهذا الظن ليس في محله؛ لأن العلماء إذا كتبوا العقيدة الإسلامية مجردة من الردود صاغوها بأسلوب ميسر واضح.