"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة من ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير " [1] .
وهكذا أوضح ابن تيمية وتلامذته من بعده حكم هذه المسألة، وكان الجواب حاسما في بيان الحكم، وقويا في جهاد هؤلاء التتار وإبعاد خطرهم عن المسلمين.
* * *
وهناك أمر آخر - له علاقة بهذا الموضوع - وجد في عهد المماليك، ألا وهو إعطاء الامتيازات للأجانب - من النصارى وغيرهم - داخل الدولة الإسلامية، وكان الباعث على ذلك حرص المماليك على تنشيط التجارة، وكانت التجارة أكثر ما تكون في ذلك الوقت مع الهند وما جاورها، ومع أوربا، وبالأخص الأندلس وإيطاليا، وقد حرص المماليك على أن رد التجار ببضائعهم المختلفة وتجاراتهم إلى دولة المماليك، فقد أصدر المنصور قلاوون بيانا يعلن فيه - بعد مدح ممالك مصر والشام- حسن معاملة من يرد من التجار غير المسلمين والوفاء بالعهود لهم، كا أوصى بإعادة النظر فى ثغر الإسكندرية وأن يحرص الناظر [1] تفسير ابن كثير (3/122-123) ، ط الشعب، وانظر: عمدة التفسير لأحمد شاكر (4/173) ، وتعليقه على هذا الموضوع.