4- وقد وقع الفلاسفة- وأهل الكلام- في غلط كبير، حين بنوا علومهم على أن كل ما لم يدل عليه الدليل يجب نفيه، وهذا تحكم ظاهر إذ أن معناه أن كل ما جهله الناس أو لم يجدوا له دليلا فعليهم أن ينفوه وينكروا وجوده أو حصوله، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ببيانه لقاعدة عامة وهي أن عدم العلم ليس علما بالعدم، أي أن الجهل بالشيء ليس دليلا على أن هذا الشيء غير موجود، وهنا يتبين خطأ المنحرفين حين نفوا أشياء كثيرة- ربما تكون من صفات الله أو اليوم الآخر أو المغيبات- لأنهم لم يجدوا عليها دليلا، وليس الخطأ جهلهم بالدليل، وإنما الخطأ حين جعلوا عدم علمهم بالدليل دليلا على انتفاء هذا الشىء [1] ، والنافي عليه الدليل كما على المثبت [2] .
5- كما تطرق ابن تيمية كئيرا إلى شبهة أخرى أضلت كثيرا من الفلاسفة والمتصوفة وأهل الكلام، وهي اشتباه ما في الأذهان بما في الأعيان، أو ما يسمى بالكلى المطلق، فهؤلاء قد يتصورون في أذهانهم أشياء مثل الكليات العقلية التي يزعمون أنها تكون خارج العقل ولا يمكن الإشارة إليها ولا الاحساس بها وليست داخل العالم ولا خارجه، ومثل الكليات المجردة مثل وجود مطلق، أو إنسانية مطلقة، ومثل أصحاب الاتحاد المطلق توهموه في أذهانهم فظنوا أنه في الخارج [3] . أما الثاني: فقد أشار إلى المنهج الصحيح للمعرفة والاستدلال ويمكن أن نعرضه كما يلي:
1- في البداية يوضح شيخ الإسلام مراتب الدلالة فيقول:" ولا ريب أن الدلالة على مراتب: أحدها: أن يدل الدليل بغير شعور منه ولا قصد، فهذا الذى يسمى لسان الحال.... والدرجة الثانية: أن يكون الدال عالما بالمدلول عليه، [1] انظر: الرد على المنطقيين (ص: 100،437) ، والصفدية (1/ 180) ، ونقض المنطق (ص: 73) ، والجواب الصحيح (4/296) ، ودرء التعارض (4/59، 5/44) . [2] انظر: الصفدية (1/166) ، وانظر المدرسة السلفية (ص: 305) . [3] هذه القضية بحثها ابن تيمية كثيرا- وربما تعرض فيما بعد- وانظر نقض أساس التقديس المطبوع (1/332) ، ودرء التعارض (6/1 1 2، 285،289، 5/111، 127، 173، 313، 6/ 96) ، والسبعينية (ص: 0 9، 0 0 1) ، والصفدية (2/1 1 1-17 1 1، 296-308) ، والجواب الصحيح (3/78) .