كالذي ينظر في المسألة لينال دليلها من القرآن والحديث، والثاني: النظر الاستدلالي: وهو النظر في الدليل الذي يوصله ويستلزم المدلول، وهذا هو الذي يوجب العلم ولا ينافيه فهو كالذي ينظر في القرآن والحديث فيعلم الحكم [1] . لكن هل النظر واجب؟ يجيب شيخ الإسلام: " لكن من حصر العلم بطريق عينه، هو مثل حد معين ودليل معين، أخطأ كثيرا، كا أن من قال: إن حد غيره ودليله لا يفيد بحال أخطأ كثيرا، وهذا كما أن الذين أوجبوا النظر وقالوا: لا يحصل العلم إلا بة مطلقا، أخطأوا، والذين قالوا:- لا حاجة إليه بحال، بل المعرفة دائما ضرورية لكل أحد في كل حال- أخطأوا، بل المعرفة وإن كانت ضرورية في حق أهل الفطر السليمة، فكثير من الناس يحتاج فيها إلى النظر، والإنسان قد يستغنى عنه فى حال ويحتاج إليه في حال، وكذلك الحدود قد يحتاج إليها تارة ويستغنى عنها أخرى كالحدود اللفظية، والترجمة قد يحتاج إليها تارة، وقد يستغنى عنها أخرى، وهذا له نظائر. وكذلك كون العلم ضروريا أو نظريا، والاعتقاد قطعيا وظنيا أمور نسبية، فقد يكون الشىء قطعيا عند شخص في حال، وهو عند آخر وفي حال أخرى مجهول فضلا عن أن يكون مظنونا، وقد يكون الشىء ضروريا لشخص في حال، ونظريا لشخص آخر وفي حال أخرى، وأما ما أخبر به الرسول فإنه حق في نفسه، لا يختلف باختلاف عقائد الناس وأحوالهم، فهو الحق الذي لا يقبل النقيض، ولهذا كل ما عارضه فهو باطل مطلقا " [2] . والعلم علمان: عملي ونظرى، فالأول: " ما كان شرطا في حصول المعلوم كتصور أحدنا لما يريد أن يفعله، فالمعلوم هنا متوقف على العلم به محتاج إليه.
والثاني: العلم الخبري النظرى، وهو ما كان المعلوم غير مفتقر في وجوده إلى العلم به كعلمنا بوحدانية الله وأسمائه وصفاته وصدق رسله، وبملائكته وكتبه وغير ذلك، فإن هذه المعلومات ثابتة سواء علمناها أو لم نعلمها، فهي مستغنية عن علمنا بها" [3] . [1] انظر: الرد على المنطقيين (ص: 352-353) . [2] درء التعارض (3/303-304) . [3] درء التعارض (1/88) .