وكانوا يرون أن غيرهم من الأمم لا حق لهم في عدل ولا نصف؛ بل ويستحلون منهم الدماء والأنفس والأموال بحجة أن غير اليهود، كفار مشركون لا حرمة لهم. وقد نبأنا الله خبرهم وقولهم هذا وعدهم كذبة مفترين في ذلك فقال عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [1].
ومرادهم بالأميين العرب والمشركين وكل من ليس بيهودي. روى ابن جرير عن قتادة[2] رحمه الله في قوله: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ، قال: ليس علينا في المشركين سبيل، يعنون من ليس من أهل الكتاب[3].
وفي أسفار التوراة المحرفة ما يشي بهذا المسلك الذي انتهجه يهود تجاه الأمم الأخرى؛ ففي "سفر الخروج" ضمن الوصايا العشر التي يزعمون أن موسى عليه السلام تلقاها من ربه: "لا تشهد على قريب شهادة زور، لا تشته بيت قريبك لا تشته امرأة قريبك، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئًا مما لقريبك"[4]؛ فمفهوم قوله "قريبك" في هذا النص، أن غير القريب يجوز لهم اشتهاء امرأته وبيته وو....، وقد فهم اليهود هذا الفهم، ونص التلمود على حل كل ذلك كما سيأتي ذكر نصوص منه.
وفي "سفر التثنية" إباحة التعامل بالربا مع غير اليهودي، وتحريمه مع اليهودي: "للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا"[5]؛ بل يمنع [1] سورة آل عمران: آية 75. [2] هو: قتادة بن دعامة السدوسي الضرير الأكمه، حافظ، مفسر، قال فيه الذهبي: حافظ العصر قدوة المفسرين. مات سنة 117 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 5/ 269. [3] جامع البيان عن تأويل آي القرآن 6/ 522. [4] سفر الخروج: إصحاح 2 فقرة 16- 17. [5] خروج: إصحاح 20 فقرة 16- 17.