بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [1].
فلما قامت هذه الأمة بهذا الأمر مع تقصير غيرها من الأمم وتفريطها فيه، كانت جديرة بما أثبته الله ورسوله لها من الخيرية؛ إذ خير الناس آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن درة[2] بنت أبي لهب قال: "قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خير الناس أقرؤهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم "[3]. [1] سورة المائدة آية 78- 79. [2] وهي: درة بنت أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أسلمت وهاجرت. انظر: ابن حجر، الإصابة 4/ 297. [3] حم: 6/ 432.
الوجه الثالث: كونها خير الأمم للناس وأنفعها لهم
وذلك أن هذه الأمة لما قامت بواجب الأمر بالمعورف والنهي عن المنكر، وكان من أعظم المعروف الذي تأمر به الإيمان بالله عز وجل وعبادته وحده، ومن أنكر المنكر الذي تنهى عنه وتحذر الناس منه: الإشراك بالله وعبادة غيره من دونه، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "تأمرونهم بالمعروف؛ أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، و"لا إله إلا الله" هو أعظم المعروف، وتنهونهم عن المنكر، والمنكر هو التكذيب، وهو أنكر المنكر"[1]؛ إنما كانت في الواقع تدعو الناس إلى ما فيه نفعهم ونجاتهم، وتنهاهم عما فيه هلاكهم، بأذلة في سبيل ذلك النفس والنفيس، ليس لها هدف إلا القيام بما أوجبه الله عليها من هداية الخلق إلى طريق النجاة، وإخراجهم [1] ابن جرير الطبري، جامع البيان 7/ 105.