الفصل الثالث: اعتدال هذه الأمة وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط والغلو والتقصير تمهيد
... تمهيد:
تقدم في أول هذا الباب أن الاعتدال والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط هو أحد معاني الوسطية المثبتة لهذه الأمة في قوله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [1]. وهو المعنى الذي مقال إليه الإمام ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية كما تقدم على أن اختياره له، لا ينافي المعاني الأخرى الثابتة في معنى الوسطية، والتي تقدم الكلام عليها في الفصلين السابقين من هذا الباب.
وإن المتأمل في دين هذه الأمة واعتقادها، وعبادتها ومعاملاتها، ومواقفها بعامة؛ ليدرك أن الاعتدال والتوازن والتوسط أحد الخصائص الهامة التي تميزت بها هذه الأمة.
فهي وسط بين الأمم، آخذه بزمام الاعتدال والتوازن، بعيدة عن طرفي الإفراط والغلو، والتفريط والتقصير والجفاء إذ كلاهما مذموم غير محمود، وغاية البعد عنهما هو التوسط بينهما؛ إذ هو نقطة التوازن والاعتدال.
ولعل من أهم مظاهر اعتدالها وتوسطها؛ كونها وسطًا بين الأمم الجوانب التالية:
1- في توحيد الله وصفاته:
فهي وسط في ذلك بين اليهود والنصارى. [1] سورة البقرة آية 143.