طوائف الخوارج ومن وافقهم: "واتفق جمهور من ذكرنا في صدر المقالة من الأمة على أن الله منجز وعده، ووعيد، ومصدقهما بتمام ذلك وإمضائه في جميع من وعده وتوعده، لا تبديل لكلمات الله، ولا تحويل لأمره. واستدل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد} [1]، [2].
ولذلك قال هؤلاء: بخلود أصحاب الكبائر في النار؛ لأن الله توعدهم بها وعندهم أن الله لا يخلف الميعاد، وقد ذكرنا قولهم في أصحاب الكبائر وحكمهم فيهم في الدنيا والآخرة، وما بينهما من التمايز في المبحث الأول.
وهؤلاء قد ضلوا في الوعد والوعيد جميعًا.
فأما ضلالهم في الوعيد فواضح؛ حيث جرهم قولهم به إلى إكفار أصحاب الكبائر أو إخراجهم من الإيمان عند المعتزلة إلى الفسق ووجوب أصحاب الكبائر أو إخراجهم من الإيمان عند المعتزلة إلى الفسق ووجوب إدخالهم النار وتخليدهم فيها، وقالوا: إنه لا يجوز أن يغفر الله لهم إذا لم يتوبوا، ويكفي أن قولهم هذا يناقض قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ؛ فمن أين لهم أنه سبحانه لا يشاء المغفرة لهم، مع كونهم ليسوا كفارًا على مذهب المعتزلة، وليسوا مشركين على مذهب الإباضية، وطوائف من الخوارج، والنص إنما دل على عدم المغفرة للمشرك به سبحانه، والذين لا يغفر لهم هم الكافرون والمشركون.
وما ضلالهم في الوعد: فلإيجابهم ذلك على الله سبحانه بطريق الاستحقاق والعوض. يقول القاضي عبد الجبار: "أعلم أنه تعالى إذا كلفنا الأفعال الشاقة؛ فلا بد أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله"[3].
ويقول الزمخشري -وهو أحد أقطاب المعتزلة- في تفسيره قوله تعالى: [1] سورة الرعد: آية 31. [2] انظر: الموجز ضمن كتاب آراء الخوراج الكلامية، للدكتور عمار طالبي 2/ 105. [3] انظر: شرح الأصول الخمسة 614.