الأشاعرة:
لا يفتأ أئمة الأشاعرة يذكرون في كتبهم أنهم أهل السنة وأهل الحق، وأنهم هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية. وهذا أمر لا يخفى على من قرأ كتبهم، وأنا أذكر فقط نماذج من كلامهم في ذلك على مر العصور:
- كلام أبي بكر الباقلاني "ت 403 هـ"، وهو من تلاميذ أبي الحسن الأشعري:
قال مثلًا في صفة الكلام التي خالفوا فيها السلف من أهل الحديث والسنة: "أعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك"[1].
ثم قال في موطن آخر: "فإن قالوا: أليس تقولون إن كلام الله مسموع بحاسة الآذان على الحقيقة؟ قلنا: بلى، فإن قالوا: فليس يجوز أن يكون مسموعًا على الحقيقة؛ إلا ما كان صوتًا وحرفًا.
فالجواب: أن هذا جهل عظيم؛ وذلك أن أهل السنة والجماعة قد أجمعوا على أن الله تعالى يرى بالأبصار على الحقيقة، ولا يجوز أن يرى على الحقيقة إلا ما كان جسمًا[2] وجوهرًا[3] وعرضًا[4]، أفتقولون إن الله تعالى، جسم [1] انظر: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 108، "ط. الثانية 1382 هـ. نشر: مؤسسة الخانجي". [2] لفظ "الجسم" فيه إجمال: فقد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت، أو ما يقبل التفريق والإنفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجوهر الفرد والله تعالى منزع عن ذلك كله.
وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى، أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يرى في الآخرة، وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيدهم وقلوبهم ووجوهم وأعينهم، فإن أراد بقوله: "ليس بجسم" هذا المعنى، قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول وأنت لم تقم دليلًا على نفيه، وأما اللفظ فبدعة نفيًا وإثباتًا؛ فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفيًا ولا إثباتًا. انظر: منهاج السنة لابن تيمية 2/ 97- 98. [3] الجوهر: ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع، وهو منحصر في خمسة هيولي، وصورة وجسم ونفس وعقل. انظر: الجرجاني، التعريفات 79. [4] العرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع؛ أي: محل يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به. المصدر السابق 148، الإنصاف ص 136.