responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 588
قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ: أَيْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ، فَاقْتِرَاحُ آيَةٍ مَعَ تَقَدُّمِ مَجِيءِ آيَاتٍ وَإِيضَاحِهَا، إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ. هَذَا، وَهِيَ آيَاتٌ مُبَيَّنَاتٌ، لَا لَبْسَ فِيهَا، وَلَا شُبْهَةَ، لِشِدَّةِ إِيضَاحِهَا. لَكِنْ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا آيَاتٍ إِلَّا لِمَنْ كَانَ مُوقِنًا، أَمَّا مَنْ كَانَ فِي ارْتِيَابٍ، أَوْ شَكٍّ، أَوْ تَغَافُلٍ، أَوْ جَهْلٍ، فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الْآيَاتُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ.
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [1] ؟ وَقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ، وَقَدْ سَأَلَ أَهْلَ الْبَوَادِي الْوَافِدِينَ إِلَى مَكَّةَ عَنِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ، فَأَخْبَرُوهُ بِهِ، فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:
هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ اقْتِرَاحَ مَا تَقَدَّمَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ فِي آخِرِهَا: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَالْإِيقَانُ: وَصْفٌ فِي الْعِلْمِ يُبْلَغُ بِهِ نِهَايَةُ الْوِثَاقَةِ فِي الْعِلْمِ، أَيْ مَنْ كَانَ مُوقِنًا، فَقَدْ أَوْضَحْنَا لَهُ الْآيَاتِ، فَآمَنَ بِهَا، وَوَضَحَتْ عِنْدَهُ، وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى غيره. وفي جمع الْآيَاتِ رَدٌّ عَلَى مَنِ اقْتَرَحَ آيَةً، إِذِ الْآيَاتُ قَدْ بُيِّنَتْ، فَلَمْ يَكُنْ آيَةً وَاحِدَةً، فَيُمْكِنَ أَنْ يُدَّعَى الِالْتِبَاسُ فِيهَا، بَلْ ذَلِكَ جَمْعُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، لَكِنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّبَصُّرِ وَالْيَقِينِ.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً: بَشِيرًا لِمَنْ آمَنَ، وَنَذِيرًا لِمَنْ كَفَرَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَضِيقُ صَدْرُهُ لِتَمَادِيهِمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ بَيَّنَ الْآيَاتِ، ذَكَرَ مَنْ بُيِّنَتْ عَلَى يَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَخَاطَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْآيَاتِ فَقَالَ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَفُسِّرَ الْحَقُّ هُنَا بِالصِّدْقِ وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْإِسْلَامِ. وَبِالْحَقِّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ أَرْسَلْنَاكَ وَمَعَكَ الْحَقُّ لَا يُزَايِلُكَ. وَانْتِصَابُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْحَقِّ، لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ يَتَّصِفُ أَيْضًا بِالْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ. وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. وَعَدَلَ إِلَى فَعِيلٍ لِلْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّ فَعِيلًا مِنْ صِفَاتِ السَّجَايَا، وَالْعَدْلُ فِي بَشِيرٍ لِلْمُبَالَغَةِ، مَقِيسٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، إِذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ بَشَّرَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِشْرٌ مُخَفَّفًا، وَلَيْسَ مَقِيسًا فِي نَذِيرٍ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْذَرَ، وَلَعَلَّ مُحَسِّنَ الْعَدْلِ فِيهِ كَوْنُهُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسُوغُ فِي الْكَلِمَةِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ مَا يُقَابِلُهَا مَا لَا يَسُوغُ فِيهَا لَوِ انْفَرَدَتْ، كَمَا قَالُوا: أَخَذَهُ مَا قَدَّمَ وَمَا حَدَثَ وشبهه.
وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ: قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: بِضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ. وقرأ أبي:

[1] سورة الحجر: 15/ 15. [.....]
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 588
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست