responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 655
صِبْغَةَ اللَّهِ: أَيْ دِينَ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسُمِّيَ صِبْغَةً لِظُهُورِ أَثَرِ الدِّينِ عَلَى صَاحِبِهِ، كَظُهُورِ أَثَرِ الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ، كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ، أَوْ فِطْرَةَ اللَّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ أَوْ خِلْقَةَ اللَّهِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَوْ سُنَّةَ اللَّهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَوِ الْإِسْلَامَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا أَوْ جِهَةَ اللَّهِ يَعْنِي الْقِبْلَةَ، قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ أَوِ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، قَالَهُ الْأَصَمُّ: أَوِ الْخِتَانَ، لِأَنَّهُ يَصْبُغُ صَاحِبَهُ بِالدَّمِ. وَالنَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لَهُمْ مَوْلُودٌ غَمَسُوهُ فِي السَّابِعِ فِي مَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْمَعْمُودِيَّةُ، فَيَتَطَهَّرُ عِنْدَهُمْ وَيَصِيرُ نَصْرَانِيًّا. اسْتَغْنَوْا بِهِ عَنِ الْخِتَانِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: صِبْغَةَ اللَّهِ، أَوِ الِاغْتِسَالَ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ عِوَضًا عَنْ مَاءِ الْمَعْمُودِيَّةِ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوِ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ أَوِ التَّلْقِينِ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَصْبُغُ فُلَانًا فِي الشَّيْءِ، أَيْ يُدْخِلُهُ فِيهِ وَيُلْزِمُهُ إِيَّاهُ، كَمَا يَجْعَلُ الصَّبْغَ لَازِمًا لِلثَّوْبِ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَالْأَقْرَبُ مِنْهَا هُوَ الدِّينُ وَالْمِلَّةُ، لِأَنَّ قَبْلَهُ:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا الْآيَةَ. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلَ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ، فَكَنَّى بِالصِّبْغَةِ عَنْهُ، وَمَجَازُهُ ظُهُورُ الْأَثَرِ، أَوْ مُلَازَمَتُهُ لِمَنْ يَنْتَحِلُهُ. فَهُوَ كَالصَّبْغِ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، كَمَا قَالَ. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ، حين تخالط بشاشة الْقُلُوبَ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي دِيَانَةَ الشَّخْصِ لِشَيْءٍ، وَاتِّصَافَهَ بِهِ صِبْغَةً. قَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ مُلُوكِهِمْ:
وَكُلُّ أُنَاسٍ لَهُمْ صِبْغَةٌ ... وَصِبْغَةُ هَمْدَانَ خَيْرُ الصِّبَغْ
صَبَغْنَا عَلَى ذَاكَ أَبْنَاءَنَا ... فَأَكْرِمْ بِصِبْغَتِنَا فِي الصِّبَغِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَسْمِيَةِ الدِّينِ صِبْغَةً: أَنَّ عِيسَى حِينَ قَصَدَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَقَالَ: جِئْتُ لِأَصْبُغَ مِنْكَ، وَأَغْتَسِلَ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ. فَلَمَّا خَرَجَ، نَزَلَ عَلَيْهِ رُوحُ الْقُدُسِ، فَصَارَتِ النَّصَارَى يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِأَوْلَادِهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ، تَشْبِيهًا بِعِيسَى، وَيَقُولُونَ: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا. وَزَعَمُوا أَنَّ فِي الْإِنْجِيلِ ذُكِرَ عِيسَى بِأَنَّهُ الصَّابِغُ.
وَيُسَمُّونَ الْمَاءَ الَّذِي يَغْمِسُونَ فِيهِ أَوْلَادَهُمُ: الْمَعْمُودِيَّةَ، بِالدَّالِ، وَيُقَالُ: الْمَعْمُورِيَّةُ بِالرَّاءِ.
قَالَ: وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْفِعْلَ التَّغْمِيسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ الصَّبْغَ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: صِبْغَةَ اللَّهِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الصِّبْغَةُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا أَوْجَدَهُ فِي النَّاسِ مِنْ بَدَائِهِ الْعُقُولِ الَّتِي مَيَّزَنَا بِهَا عَنِ الْبَهَائِمِ، وَرَشَّحَنَا بِهَا لِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ طَلَبِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْفِطْرَةِ. وَسُمِّيَ ذَلِكَ بِالصِّبْغَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ قُوَى الْإِنْسَانِ، إِذَا اعْتُبِرَتْ، جَرَتْ مَجْرَى الصِّبْغَةِ فِي الْمَصْبُوغِ، وَلَمَّا كَانَتِ النَّصَارَى، إِذَا لَقَّنُوا أَوْلَادَهُمُ النَّصْرَانِيَّةَ يَقُولُونَ: نَصَّرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ صِبْغَةُ اللَّهِ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 655
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست