responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 658
وَاحِدٍ، فَلَا يُنَاسِبُ الْجِدَالُ فِيمَا شَاءَ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَمَا خَصَّ بِهِ بَعْضَ مَرْبُوبَاتِهِ مِنَ الشَّرَفِ وَالزُّلْفَى، لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي كُلِّهِمْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَتُجَادِلُونَنَا فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَقُولُونَ إِنَّ دِينَكُمْ أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكِتَابَكُمْ أَفْضَلُ الْكُتُبِ؟ وَالظَّاهِرُ إِنْكَارُ الْمُجَادَلَةِ فِي اللَّهِ، حَيْثُ زَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَحَيْثُ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَحَيْثُ زَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّ اللَّهَ لَهُ وَلَدٌ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ شَيْخٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، إِلَى مَا يَدَّعُونَهُ فِيهِ مِنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَيْفَ يَدْعُونَ ذَلِكَ، وَالرَّبُّ وَاحِدٌ لَهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِقَادُ فِيهِ وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ تَثْبُتَ صِفَاتُهُ الْعُلَا، وَيُنَزَّهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ.
وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، الْمَعْنَى: وَلَنَا جَزَاءُ أَعْمَالِنَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شرا فَشَرٌّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُجَازِي عَلَى الْأَعْمَالِ، فَلَا تَنْبَغِي الْمُجَادَلَةُ فِيهِ وَلَا الْمُنَازَعَةُ. وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ: وَلَمَّا بَيَّنَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْجَزَاءِ، ذَكَرَ مَا يُمَيَّزُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعَمَلِ وَالِاعْتِقَادِ، وَعَدَمِ الْإِشْرَاكِ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّصَارَى وَفِي الْيَهُودِ، لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ، فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّا لَمْ نَشُبْ عَقَائِدَنَا وَأَفْعَالَنَا بِشَيْءٍ مِنَ الشِّرْكِ، كَمَا ادَّعَتِ الْيَهُودُ فِي الْعِجْلِ، وَالنَّصَارَى فِي عِيسَى. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ التَّعْرِيضِ بِالذَّمِّ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُخْتَصِّ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُشْتَرِكِ نَفْيٌ لِذَلِكَ الْمُخْتَصِّ عَمَّنْ شَارَكَ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِطْرَادًا، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ مَعْنًى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَدْحًا لِفَاعِلِهِ وَذَمًّا لِتَارِكِهِ، نَحْوَ قَوْلِهِ:
وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً ... إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُولُ
وَهِيَ مُنَبِّهَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ، كَانَ حَقِيقًا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَهْلُ الْكَرَامَةِ، وَقَدْ كَثُرَتْ أَقْوَالُ أَرْبَابِ الْمَعَانِي فِي الْإِخْلَاصِ.
فَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَأَلْتُ جِبْرِيلَ عَنِ الْإِخْلَاصِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ عَنِ الْإِخْلَاصِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِي اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِخْلَاصُ: أَنْ لَا يُشْرِكَ فِي دِينِهِ، وَلَا يُرَائِي فِي عَمَلِهِ أَحَدًا. وَقَالَ الْفُضَيْلُ: تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا. وَقَالَ ابن معاذ:
تمييزا لعمل مِنَ الذُّنُوبِ، كَتَمْيِيزِ اللَّبَنِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ. وَقَالَ الْبُوشَنْجِيُّ: هُوَ مَعْنًى لَا يَكْتُبُهُ الْمَلَكَانِ، وَلَا يُفْسِدُهُ الشَّيْطَانُ، وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ، أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 658
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست