responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 123
كَلَامِ الْعَرَبِ، مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ [الطَّلَاق: 10] فَإِبْدَالُ (رَسُولًا) مِنْ (ذِكْرًا) يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ ذِكْرُ هَذَا الرَّسُولِ، وَأَنَّ مَجِيءَ الرَّسُولِ هُوَ ذِكْرٌ لَهُمْ، وَأَنَّ وَصفه بقوله يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ يُفِيدُ أَنَّ الْآيَاتِ ذِكْرٌ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً [الْبَيِّنَة: 1، 2] الْآيَةَ وَلَيْسَ الْمَقَامُ بِسَامِحٍ لإيراد عديد الْأَمْثِلَة مِنْ هَذَا، وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ التَّفْسِيرِ.
وَمِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَأَكْثَرِهِ مَا يُسَمَّى بِالتَّضْمِينِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى إِيجَازِ الْحَذْفِ، وَالتَّضْمِينُ أَنْ يُضَمَّنَ الْفِعْلُ أَوِ الْوَصْفُ مَعْنَى فِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ آخَرَ وَيُشَارُ إِلَى الْمَعْنَى الْمُضَمَّنِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِهِ مِنْ حَرْفٍ أَوْ مَعْمُولٍ فَيَحْصُلُ فِي الْجُمْلَةِ مَعْنَيَانِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمَلِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْأَمْثَالِ، وَهَذَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْبَلَاغَةِ نَادِرٌ فِي كَلَامِ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ عُدَّتْ قَصِيدَةُ زُهَيْرٍ فِي «الْمُعَلَّقَاتِ» فَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَفُوقُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ
[الْإِسْرَاء: 84] وَقَوْلِهِ: طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
[النُّور: 53] وَقَوْلِهِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الْمُؤْمِنُونَ:
96] .
وَسَلَكَ الْقُرْآنُ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ لِأَغْرَاضٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَمِنْ أَهَمِّ مَقَامَاتِ الْإِطْنَابِ مَقَامُ تَوْصِيفِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُرَادُ بِتَفْصِيلِ وَصْفِهَا إِدْخَالُ الرَّوْعِ فِي قَلْبِ السَّامِعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ فِي مِثْلِ هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ زَيَّابَةَ:
نُبِّئْتَ عَمْرًا غَارِزًا رَأْسَهُ ... فِي سِنَةٍ يُوعِدُ أَخْوَالَهُ
فَمِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [الْقِيَامَة: 26- 29] وَقَوْلُهُ: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ [الْوَاقِعَة: 83، 84] وَقَوْلُهُ: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [إِبْرَاهِيم: 43] .
وَمِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا الَّتِي أَغْفَلَ الْمُفَسِّرُونَ اعْتِبَارَهَا أَنَّهُ يَرِدُ فِيهِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَوْ مَعَانٍ إِذَا صَلُحَ الْمَقَامُ بِحَسَبِ اللُّغَة الْعَرَبيَّة لإِرَادَة مَا يَصْلُحُ مِنْهَا، وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ إِذَا صَلُحَ الْمَقَامُ لِإِرَادَتِهِمَا، وَبِذَلِكَ تَكْثُرُ مَعَانِي الْكَلَامِ مَعَ الْإِيجَازِ وَهَذَا مِنْ آثَارِ كَوْنِهِ مُعْجِزَةً خَارِقَةً لِعَادَةِ كَلَامِ الْبَشَرِ وَدَالَّةً عَلَى أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَالْقَدِيرِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ وَحَقَّقْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ.
وَمِنُُْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 123
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست